سَمِعْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ سَحْقُ دِرْهَمٍ فَلْيَخْرُجْ بِهِ إلَى السُّوقِ وَلْيَقُلْ: مَنْ يَبْتَاعُ سَحْقَ هَذَا الدِّرْهَمِ فَلْيَبْتَعْ بِهِ مَا شَاءَ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّ ذَلِكَ رِبَا الْعَجْلَانِ " أَيْ رِبَا النَّقْدِ وَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الرِّبَا نَوْعَانِ فِي النَّقْدِ، وَالنَّسِيئَةِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: " سَحْقُ دِرْهَمٍ " الْبِقَايَةُ الَّتِي لَا تُنْفَقُ فِي حَاجَةٍ، يُقَالُ: ثَوْبٌ سَحْقٌ أَيْ خَلَقٌ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالشِّرَاءِ بِالزُّيُوفِ، وَلَكِنْ بَعْدَ بَيَانِ عَيْنِهَا لِيَنْتَفِيَ الْغَرَرُ وَالتَّدْلِيسُ كَمَا ذَكَرَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا بِاقْتِضَاءِ الْوَرِقِ مِنْ الذَّهَبِ، وَالذَّهَبِ مِنْ الْوَرِقِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا، أَوْ كَانَ بِسِعْرِ يَوْمِهِ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِثَمَنِ الْمَبِيعِ وَفِي بَدَلِ الْقَرْضِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَا يَثْبُتُ فِيهِ الْأَجَلُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِمَنْزِلَةِ دَيْنٍ لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ كَبَدَلِ الصَّرْفِ، وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ فَإِنَّ الْقَرْضَ إنَّمَا لَا يَقْبَلُ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ وَمَا يُسْتَرَدُّ فِي حُكْمِ عَيْنِ الْمَقْبُوضِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي بَابِهِ.
وَالِاسْتِبْدَالُ بِالْمُسْتَعَارِ قَبْلَ الِاسْتِرْدَادِ جَائِزٌ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الثَّوْبَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمٍ، وَبِهِ نَأْخُذُ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ إنَّمَا يُسْتَثْنَى مِنْ الدِّينَارِ بِالْقِيمَةِ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْقِيمَةِ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَكَانَ الْمُسْتَثْنَى مَجْهُولًا، وَبِجَهَالَتِهِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَجْهُولًا أَيْضًا، وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ لَا يَجُوزُ، وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ الدَّرَاهِمَ بِدَرَاهِمَ أَجْوَدَ مِنْهَا، وَلَا يَصْلُحُ لَهُ إلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا، وَمَصُوغُهَا وَتِبْرُهَا، وَأَبْيَضُهَا وَأَسْوَدُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا؛ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَابَلَةَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَاسْمُ الْفِضَّةِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ جَيِّدُهُ وَرَدِيئُهُ، وَتِبْرُهُ وَمَصُوغُهُ نَافِقُهُ وَغَيْرُ نَافِقِهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجُودَةِ وَالصَّنْعَةِ فِيهَا عِنْدَ مُقَابَلَتِهَا بِجِنْسِهَا، فَوُجُودُ ذَلِكَ كَعَدَمِهِ، وَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَجَلِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ التَّقَابُضَ وَاجِبٌ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَتَرْكُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فَالتَّأْجِيلُ مُنَافٍ لِمَا هُوَ مُقْتَضَى هَذَا الْعَقْدِ، وَاشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُبْطِلٌ لَهُ.
، وَإِذَا اشْتَرَى فِضَّةً بَيْضَاءَ جَيِّدَةً بِفِضَّةٍ سَوْدَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا، وَمَعَ الْبَيْضَاءِ ذَهَبٌ أَوْ فُلُوسٌ أَوْ عُرُوضٌ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَى مَذْهَبِهِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَيُصِيبُ الْبَيْضَاءَ أَكْثَرُ مِنْ وَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ السَّوْدَاءِ، وَعِنْدَنَا يَجْعَلُ مِنْ السَّوْدَاءِ بِإِزَاءِ الْبَيْضَاءِ مِثْلَ وَزْنِهَا، وَالْبَاقِي بِإِزَاءِ مَا زَادَ تَرْجِيحًا لِجِهَةِ الْجَوَازِ عَلَى جِهَةِ الْفَسَادِ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute