قَرَّرْنَا هَذَا الْفَصْلَ فِي الْبُيُوعِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى مِنْطَقَةً، أَوْ سَيْفًا مُحَلَّى بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْهَا وَزْنًا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ فِيهِ بِحَدِيثِ «فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: أَصَبْت قِلَادَةً يَوْمَ خَيْبَرَ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ فَبِعْتهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا، ثُمَّ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَا حَتَّى يَفْصِلَ» وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا، أَوْ يَعْلَمُ أَنَّ وَزْنَ الذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ أَكْثَرُ أَوْ مِثْلُ الْمُنْفَصِلِ، وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ عِنْدَنَا لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ.
وَإِذَا اشْتَرَى لِجَامًا مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَقَلَّ مِمَّا فِيهِ أَوْ أَكْثَرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَوْنُ الْفِضَّةِ وَلَيْسَ بِعَيْنِ الْفِضَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَجْرِي الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا مُمَوَّهَةً بِالذَّهَبِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بِسُقُوفِهَا مِنْ التَّمْوِيهِ بِالذَّهَبِ أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ أَوْ الذَّهَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الرِّبَا، وَلَا فِي وُجُوبِ التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ مِنْ رَجُلٍ فَانْتَقَدَ أَحَدُهُمَا وَأَخَذَ الْآخَرُ رَهْنًا بِحَقِّهِ فِيهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُثْبِتُ يَدَ الِاسْتِيفَاءِ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ حَتَّى كَانَتْ الْعَيْنُ هَالِكَةً عَلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ فَيُجْعَلُ اسْتِيفَاؤُهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِيفَاءِ حَقِيقَةً، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي السَّلَمِ الِاخْتِلَافَ فِي الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ فَهُوَ كَذَلِكَ يُبَدَّلُ فِي الصَّرْفِ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى ذَهَبٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ، وَجَوْهَرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِدِينَارٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الدِّينَارَ فِيهِ أَكْثَرُ مِمَّا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ. وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَيُّهُمَا أَكْثَرَ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ أَيْضًا، وَقَدْ بَيَّنَّا نَظِيرَهُ فِي السَّيْفِ الْمُحَلَّى فَإِنْ بَاعَهُ بِدِينَارٍ نَسِيئَةً لَمْ يَجُزْ فَإِنَّ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ الْعَقْدَ صَرْفٌ فَيَفْسُدُ شَرْطُ الْأَجَلِ، وَاللُّؤْلُؤُ وَالْجَوْهَرُ لَا يُمْكِنُ تَخْلِيصُهُ وَتَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ فِي كُلِّهِ.
وَلَا يَجُوزُ شِرَاءُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً لَا يُعْرَفُ وَزْنُهَا أَوْ وَزْنُ أَحَدِهِمَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا بِمِثْلٍ عِنْدَ اللَّهِ، أَوْ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمُرَادٍ فَالْأَحْكَامُ لَا تُبْنَى عَلَى مَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى مَعْرِفَتِهِ عَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَصَارَ هَذَا شَرْطَ جَوَازِ الْعَقْدِ، وَمَا هُوَ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِالْعَقْدِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ فَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الْعَقْدِ وَكَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَإِنْ كَانَا بَعْدُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَجَوَازُ الْعَقْدِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ مَجْلِسَ الْعَقْدِ جُعِلَ كَحَالَةِ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ انْعِدَامَ الدَّيْنِيَّةِ فِي الْبَدَلَيْنِ شَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ، ثُمَّ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute