انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ، وَإِنْ وُزِنَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ عَنْ الْمَجْلِسِ جُعِلَ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ بِالْمُمَاثَلَةِ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَنَا. وَقَالَ زُفَرُ إنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ فَالْعَقْدُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ شَرْطَ الْجَوَازِ - وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ - كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْوَزْنِ فِي إحْدَاثِ الْمُمَاثَلَةِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ بِهِ مُمَاثَلَةٌ كَانَتْ مَوْجُودَةً وَعِلْمُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِوُجُودِ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِمَحْضَرٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِمَا الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعِلْمَ بِالْمُمَاثَلَةِ شَرْطُ الْجَوَازِ هُنَا، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْوَزْنِ فَيَصِيرُ الْوَزْنُ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْعَقْدِ كَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْطَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ، فَكَمَا يُفْصَلُ هُنَاكَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَمَا بَعْدَهُ فَكَذَلِكَ يُفْصَلُ هُنَا، ثُمَّ الْفَصْلُ مَوْهُومٌ، وَالْمَوْهُومُ فِيمَا يُبْنَى عَلَى الِاحْتِيَاطِ كَالْمُتَحَقِّقِ، وَتَأْثِيرُ الْفَضْلِ فِي إفْسَادِ الْعَقْدِ كَتَأْثِيرِ عَدَمِ الْقَبْضِ وَأَقْوَى، فَكَمَا أَنَّ تَرْكَ الْقَبْضِ حَتَّى افْتَرَقَا مُفْسِدٌ لِهَذَا الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ تَوَهُّمُ الْفَضْلِ بِتَرْكِ الْوَزْنِ حَتَّى افْتَرَقَا يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِدَرَاهِمَ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ ثُمَّ تَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ فَسَدَ الْبَيْعُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَتَبَعَّضُ، مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقْدَ فَسَدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ بِتَرْكِ التَّقَابُضِ، وَلَا يُمْكِنُ إبْقَاؤُهُ صَحِيحًا فِي حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ كَمَا لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ الْبَيْعِ فِي الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ وَالنَّصْلِ دُونَ الْفِضَّةِ فَإِنْ قَبَضَ السَّيْفَ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ حِصَّةَ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الْحِلْيَةِ فِي الْمَجْلِسِ مُسْتَحَقٌّ، وَقَبْضُ حِصَّةِ الْجَفْنِ وَالْحَمَائِلِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ فَيُصْرَفُ الْمَقْبُوضُ إلَى مَا كَانَ الْقَبْضُ فِيهِ مُسْتَحَقًّا؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ لَا يُعَارِضُ الْمُسْتَحَقَّ، وَإِذَا انْصَرَفَ إلَيْهِ فَإِنَّمَا وُجِدَ الِافْتِرَاقُ بَعْدَ التَّقَابُضِ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ، وَكَذَلِكَ إنْ أَجَّلَ الْبَقِيَّةَ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَبِيعٍ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِيهِ.
وَإِذَا اشْتَرَى عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارٍ فَتَقَابَضَا ثُمَّ وَجَدَ فِيهَا دِرْهَمًا سُتُّوقًا، أَوْ رَصَاصًا فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا اسْتَبْدَلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ أَصْلًا، وَتَأْخِيرُ الْقَبْضِ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ لَا يَصِيرُ، وَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِهِ؛ لِأَنَّ السَّتُّوقَ وَالرَّصَاصَ لَيْسَا مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ مُسْتَبْدَلًا بِهِ لَا مُسْتَوْفِيًا وَلَكِنْ يَرُدُّهُ، وَكَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقْبِضْ دِرْهَمًا حَتَّى افْتَرَقَا، طَعَنَ عِيسَى فِي هَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ قَوْلُهُ: " كَانَ شَرِيكًا فِي الدِّينَارِ بِحِصَّتِهِ " غَلَطٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شَرِيكٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الدِّينَارِ بِالْعَشْرِ؛ لِأَنَّ النُّقُودَ عِنْدَنَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا بَعْدَ التَّقَابُضِ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute