: النُّقُودُ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ جَوَازًا لَا اسْتِحْقَاقًا حَتَّى لَا يَمْلِكَ عَيْنَهَا بِالْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِالدَّرَاهِمِ، وَتُعْتَبَرُ بِعَيْنِهَا حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِالْكُرِّ، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الِاسْتِبْدَالَ بِالنُّقُودِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجُوزُ وَإِنْ عُيِّنَتْ، وَلَوْ تَعَيَّنَتْ حَتَّى مَلَكَ عَيْنَهَا لَصَارَ قَبْضُهَا مُسْتَحَقًّا، وَفِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتُ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّلَعِ، وَلَوْ كَانَ الْعَقْدُ يَبْطُلُ بِهَلَاكِهَا بَعْدَ التَّعْيِينِ لَمْ يَجُزْ الصَّرْفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ كَمَا فِي السِّلَعِ فَإِنْ مَنَعَ الشَّافِعِيُّ هَذَا الْفَصْلَ يُسْتَدَلُّ بِحَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَيْثُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّا نَبِيعُ الْإِبِلَ بِالْبَقِيعِ فَرُبَّمَا نَبِيعُهَا بِالدَّرَاهِمِ وَنَأْخُذُ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» وَلَمْ يَسْتَفْسِرْهُ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ بِالدَّرَاهِمِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ، وَفِيهِ طَرِيقَتَانِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ تَعْيِينَ النَّقْدِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ لَغْوًا كَتَعْيِينِ الصَّنَجَاتِ وَالْمِكْيَالِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعِي فِي الْعَقْدِ مَا يَكُونُ مُفِيدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْلَ الْعَقْدِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا لَا يُعْتَبَرُ فَكَذَلِكَ الشَّرْطُ فِي الْعَقْدِ، وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ التَّعْيِينَ لَا يُفِيدُ جَوَازَ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْعَقْدَ جَائِزٌ بِتَسْمِيَةِ الدَّرَاهِمِ الْمُطْلَقَةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ الرِّبْحُ، وَذَلِكَ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ لَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ فِي غَيْرِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَقْصُودٌ، إنَّمَا الْمَقْصُودُ الْمَالِيَّةُ، وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ هِيَ وَالْأَحْجَارُ سَوَاءٌ، وَالْمَالِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الرَّوَاجِ فِي الْأَسْوَاقِ، وَمِثْلُهَا وَعَيْنُهَا لَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْيِينَ غَيْرُ مُفِيدٍ فِيمَا هُوَ الْمَطْلُوبُ بِالْعَقْدِ، وَبِهِ فَارَقَ الْمَكِيلَ وَالْمَوْزُونَ فَالتَّعْيِينُ هُنَاكَ مُفِيدٌ لِجَوَازِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِ الْوَصْفِ، وَرُبَّمَا يَعْجِزُ عَنْ إعْلَامِ الْوَصْفِ فَيُسْقِطُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّعْيِينِ، وَلِأَنَّ أَعْيَانَهَا مَقْصُودَةٌ، وَهِيَ تَتَفَاوَتُ فِي الرِّبْحِ فَكَانَ تَعْيِينُهَا مُفِيدًا فِي الْجُمْلَةِ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ الْفَوَائِدِ فَلَيْسَ مِنْ مَقَاصِدِ الْعَقْدِ
وَإِنَّمَا يَطْلُبُ فَائِدَةَ التَّعْيِينِ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ، وَفِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ؛ وَهُوَ مِلْكُ الْمَالِ، الدَّيْنُ أَكْمَلُ مِنْ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ بِدُونِ التَّعْيِينِ لَا يَنْتَقِضُ الْعَقْدُ، وَبِالتَّعْيِينِ يَنْتَقِضُ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَعْنَى أَوْ هَلَكَ بَطَلَ مِلْكُهُ فِيهِ، وَإِذَا ثَبَتَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ هَلَاكُهُ، وَلَا بُطْلَانُ الْمِلْكِ فِيهِ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ، وَهُوَ أَنَّ التَّعْيِينَ لَوْ اُعْتُبِرَ فِي النَّقْدِ يَبْطُلُ بِهِ الْعَقْدُ، وَبِالْإِجْمَاعِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّعْيِينَ لَغْوٌ، وَبَيَانُ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ أَنَّ النُّقُودَ لَا تُسْتَحَقُّ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ إلَّا ثَمَنًا، وَالثَّمَنُ مَا يَكُونُ فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ فَإِذَا اُعْتُبِرَ ثُبُوتُ التَّعْيِينِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْمُسَمَّى فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، وَذَلِكَ يُنَافِي مُوجَبَ الْعَقْدِ فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ، وَالثَّانِي: هُوَ أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وُجُوبُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute