إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ جَازَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالْعَشَرَةِ الَّتِي عَلَيْهِ دِينَارًا وَيَقْبِضَ الدِّينَارَ فِي الْمَجْلِسِ فَكَذَلِكَ إذَا حَوَّلَا الْعَقْدَ إلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا تَصْحِيحَ هَذِهِ الْمُقَاصَّةِ، فَلَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى هَذَا، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يَكُونُ مَقْصُودُ الْكُلِّ وَاحِدًا، وَلِهَذَا شَرَطْنَا تَرَاضِيهِمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ الْمُقَاصَّةُ تَقَعُ بِدُونِ التَّرَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا تَحْوِيلُ الْعَقْدِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ، وَالْعَقْدُ قَدْ تَمَّ بِهِمَا فَالتَّصَرُّفُ بِهِ بِالتَّحْوِيلِ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي الْعَقْدُ الْقَائِمُ بَيْنَهُمَا حَقُّهُمَا، وَيَمْلِكَانِ اسْتِدَامَتَهُ وَرَفْعَهُ فَيَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِالتَّحْوِيلِ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ
وَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا يَقُولُهُ الْعِرَاقِيُّونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إنَّ عِنْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ يُجْعَلُ كَأَنَّهُمَا فَسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ مُضَافًا إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الطَّرِيقُ هَذَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ يَصِيرُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ مُسْتَحَقًّا فِي الْمَجْلِسِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا لَوْ جَعَلَا بَدَلَ الصَّرْفِ قِصَاصًا بِدَيْنٍ تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ كَانَ التَّصْحِيحُ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ الْأَوَّلِ لَجَازَ، وَالدَّيْنُ الْمُتَقَدِّمُ وَالْمُتَأَخِّرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ تَحْوِيلَ الْعَقْدِ إلَى مَا كَانَ يَصْلُحُ مِنْهُمَا إضَافَةُ الْعَقْدِ إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ الَّذِي سَبَقَ وُجُوبُهُ عَلَى عَقْدِ الصَّرْفِ دُونَ مَا تَأَخَّرَ وُجُوبُهُ عَنْهُ.
وَأَشَارَ فِي الزِّيَادَاتِ إلَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ أَيْضًا تَقَعُ بِالدَّيْنِ الْمُتَأَخِّرِ عَنْ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَذَكَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ، وَلَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَبِهَذَا فَارَقَ رَأْسُ الْمَالِ السَّلَمَ فَإِنَّهُمَا لَوْ أَضَافَا عَقْدَ السَّلَمِ إلَى رَأْسِ مَالٍ هُوَ دَيْنٌ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إذَا افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ فَكَذَلِكَ إذَا حَوَّلَا الْعَقْدَ إلَيْهِ فِي الِانْتِهَاءِ بِخِلَافِ عَقْدِ الصَّرْفِ، وَهَذَا لِأَنَّ مَا يُقَابِلُ رَأْسَ الْمَالِ هُنَاكَ دَيْنٌ، وَبِالْمُقَاصَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ رَأْسُ الْمَالِ فَيَكُونُ دَيْنًا بِدَيْنٍ، وَهُنَا مَا يُقَابِلُ الدَّيْنَ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فِي الْمَجْلِسِ، وَالِافْتِرَاقُ عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ جَائِزٌ فَإِنْ أَدَّى بَعْضَ الدَّرَاهِمِ، ثُمَّ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَقِيَّةَ انْتَقَصَ مِنْ الصَّرْفِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَالْفَسَادُ لِمَعْنًى طَارِئٍ فِي بَعْضِ الْعَقْدِ لَا يَتَعَدَّى إلَى مَا بَقِيَ، وَلَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا بِالدَّفْعِ وَالْقَبْضِ جَازَ بَعْدَ أَنْ يَقْبِضَ الْوَكِيلُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِذَهَابِ الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ مِنْ حُقُوقِ الْعَقْدِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدِينَ، وَفِعْلُ وَكِيلِ أَحَدِهِمَا لَهُ كَفِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ صَاحِبِهِ شَيْئًا بِثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِمَا فِي الِاسْتِبْدَالِ مِنْ تَفْوِيتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّ الْقَبْضَ مُعْتَبَرُ التَّعْيِينِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الصَّرْفِ بِطَرِيقِ الِاسْتِبْدَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute