الصَّرْفِ فَيَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ كَبَدَلِ الْقَرْضِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَالدَّرَاهِمُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ بِعَقْدِ الصَّرْفِ، وَالِاسْتِبْدَالُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ.
وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ قَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَبَاعَ دَيْنَهُ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَقَبَضَ الدَّنَانِيرَ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الدَّنَانِيرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يُرَدُّ إلَّا عَلَى مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَمَا فِي ذِمَّةِ زَيْدٍ لَا يَكُونُ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّ عَمْرٍو فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ، وَلَا يَدْرِي مَتَى يَسْتَوْفِي، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ النَّقْدُ الْمُضَافُ إلَيْهِ يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ سَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ الشِّرَاءُ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ صَحِيحٌ كَمَا يَصِحُّ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّيْنِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ شَيْئًا ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ كَانَ الشِّرَاءُ صَحِيحًا بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى عَيْنٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ لِتَتْمِيمِ الْمِلْكِ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ هَذَا الْمَقْصُودُ عِنْدَ إضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَى الدَّيْنِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: مِلْكُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِالْبَدَلِ، وَإِذَا مَلَكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ لَمْ يَجُزْ فَإِذَا مَلَكَهُ بِبَدَلٍ أَوْلَى ثُمَّ لِلْفَسَادِ هُنَا طَرِيقَتَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِإِضَافَةِ الشِّرَاءِ إلَى ذَلِكَ الدَّيْنِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ الْأَجَلَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ الدَّيْنُ فَيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَلَا يَدْرِي مَتَى يَخْرُجُ، وَشَرْطُ الْأَجَلِ الْمَجْهُولِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ غَيْرِ الْمُشْتَرِي مُسْتَحَقًّا بِالشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ فَارَقَ مَا إذَا اشْتَرَى بِالدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَى بِالدَّيْنِ الْمَظْنُونِ شَيْئًا.
وَإِذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ أَوْ الدَّنَانِيرُ وَدِيعَةً عِنْدَ رَجُلٍ فَبَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ، أَوْ الدَّنَانِيرَ بِالدَّرَاهِمِ، وَتَقَابَضَا فَجَاءَ صَاحِبُهَا فَأَخَذَهَا مِنْ الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَا لَمْ يَتَفَرَّقَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْبُوضَ اُسْتُحِقَّ فَكَأَنَّهُمَا لَمْ يَتَقَابَضَا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْعَقْدُ بِمِثْلِ مَا عَيَّنَهُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَا قَدْ افْتَرَقَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ إذَا أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ لِانْتِقَاضِ الْقَبْضِ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُسْتَحِقُّ وَلَكِنَّهُ أَجَازَ الْبَيْعَ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَكَانَ لَهُ مِثْلُهَا عَلَى الْمُودَعِ، وَقَالَ زُفَرُ: الصَّرْفُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ حَصَلَ قَبْلَ الْمِلْكِ فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ لَا يَمْلِكُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْقَبْضِ فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَكُونُ تَامًّا، فَلَا يَنْفُذُ الْعَقْدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْإِجَازَةِ، كَمَا لَوْ افْتَرَقَا وَلِأَحَدِهِمَا شَرْطُ خِيَارٍ، ثُمَّ أُسْقِطَ الْخِيَارُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: افْتَرَقَا بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ وَبَعْدَ تَمَامِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ سَبَبُ مِلْكٍ تَامٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute