أَنَّهُ هُنَاكَ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُنَا ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَوْلَ أَبِي يُوسُفَ، وَعَلَّلَ لَهُمَا فَقَالَ: لَا يُوزَنُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَصْنُوعٌ مِنْ النُّحَاسِ لَا يُعْتَادُ وَزْنُهُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَانِي الَّتِي لَا تُبَاعُ وَزْنًا، وَبَيْعُ قَمْقَمَةٍ بِعَيْنِهَا بِقَمْقَمَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ.
وَإِذَا اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَنَقَدَ الدِّرْهَمَ، وَقَبَضَ مِنْ الْفُلُوسِ خَمْسِينَ، وَكَسَدَتْ الْفُلُوسُ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْخَمْسِينَ النَّافِقَةِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ مِنْهَا شَيْئًا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ فَكَذَلِكَ إذَا كَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ بَعْضَهَا اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةً حَتَّى جَازَ الْعَقْدُ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَنَاوَلُ عَيْنَهَا، وَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْكَسَادِ، وَهُوَ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: الْعَقْدُ تَنَاوَلَهَا بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهَا مَا دَامَتْ رَائِجَةً فَهِيَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا، وَبِالْكَسَادِ تَنْعَدِمُ مِنْهَا صِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ فَفِي حِصَّةِ مَا لَمْ يَقْبِضْ انْعِدَامُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَكَانَ صِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ كَصِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِي الْأَعْيَانِ، وَلَوْ انْعَدَمَتْ الْمَالِيَّةُ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَوْ بِتَخْمِيرِ الْعَصِيرِ فَسَدَ الْعَقْدُ فَهَذَا مِثْلُهُ، ثُمَّ يَرُدُّ الْبَائِعُ النِّصْفَ دِرْهَمٍ الَّذِي قَبْضَهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ فِيهِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ بِذَلِكَ النِّصْفِ الدِّرْهَمِ مَا أَحَبَّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَجَبَ بِسَبَبِ الْقَبْضِ فَكَانَ مِثْلَ بَدَلِ الْقَرْضِ، وَلَوْ لَمْ تَكْسُدْ، وَلَكِنَّهَا رَخُصَتْ، أَوْ غَلَتْ لَمْ يَفْسُدْ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ فِي الْفُلُوسِ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ رَغَائِبُ النَّاسِ فِيهَا، وَبِذَلِكَ لَا يُفَوَّتُ الْبَدَلُ، وَلَا يَتَعَيَّبُ، وَلِلْمُشْتَرِي مَا بَقِيَ مِنْ الْفُلُوسِ، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَلَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَهَا مِنْ آخَرَ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْفُلُوسَ دَيْنًا فَإِنَّمَا بَاعَ الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُبَادَلَةَ بِالدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ الْآخَرُ الدِّرْهَمَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْ رَجُلٍ بِفُلُوسٍ، أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ لِهَذَا الْمَعْنَى.
قَالَ: وَإِذَا اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى بَاعَ مِنْ رَجُلٍ تِسْعِينَ فَلْسًا بِدِرْهَمٍ، ثُمَّ قَبَضَ تِلْكَ الْفُلُوسَ، وَنَقَدَ مِنْهَا تِسْعِينَ، وَاسْتَفْصَلَ عَشَرَةَ فَهُوَ جَائِزٌ مُسْتَقِيمٌ كَمَا لَوْ قَبَضَ الْمِائَةَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي يَلْتَزِمُ الْفُلُوسَ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَا يُضِيفُ الْعَقْدَ إلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَالرِّبْحُ إنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَضَمَانِهِ فَيَكُونُ طَيِّبًا لَهُ. .
وَإِنْ اشْتَرَى فَاكِهَةً، أَوْ غَيْرَهَا بِدَانِقِ فُلُوسٍ، أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ، وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ، كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ، وَهُوَ فِي الدِّرْهَمِ أَفْحَشُ، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِ الْجَوَازِ، وَالْفَسَادِ هُنَا، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَإِنْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ، أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ الْبُخَارِيِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْكُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute