للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُبَيِّنْ عَدَدَ الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّانَقِ، وَلَا بِالدَّرَاهِمِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفُلُوسِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةَ الْعَدَدِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الدَّانَقِ، وَالدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ يَسْتَقْصُونَ فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ، وَقَدْ يَتَسَامَحُونَ؛ وَلِأَنَّ الدَّانَقَ، وَالدِّرْهَمَ ذِكْرٌ لِلْوَزْنِ، وَالْفُلُوسُ عَدَدِيٌّ فَيَلْغُو اعْتِبَارُ ذِكْرِ الْوَزْنِ فِيهِ بِنَفْيِ ذِكْرِ الْفُلُوسِ، فَلَا يَجُوزُ الْعَقْدُ إلَّا بِبَيَانِ الْعَدَدِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَسْمِيَةِ الدَّانَقِ، وَالدَّرَاهِمِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِذِكْرِ الدَّانَقِ وَالدِّرْهَمِ يَصِيرُ عَدَدُ الْفُلُوسِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ قَدْرَ مَا يُوجَدُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ فِي السُّوقِ فَتَسْمِيَةُ الدِّرْهَمِ كَتَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ فِي الْإِعْلَامِ عَلَى وَجْهٍ لَا تُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ بَيْنَهُمَا وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ: فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ يَكْثُرُ الِاسْتِعْمَالُ بَيْنَ النَّاسِ لِلْعِبَارَةِ عَمَّا يُوجَدُ بِهِ مِنْ عَدَدِ الْفُلُوسِ فَيُقَامُ مَقَامَ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ، وَفِي الدِّرْهَمِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَلَّمَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ - يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الدَّانَقِ، وَالدَّانَقَيْنِ لَا يَكُونُ مَعْلُومَ الْجِنْسِ - إلَّا بِالْإِضَافَةِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ فَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ الْفُلُوسِ فَأَقَمْنَا ذَلِكَ مَقَامَ تَسْمِيَةِ الْعَدَدِ، وَأَمَّا الدِّرْهَمُ فَمَعْلُومٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى شَيْءٍ، فَلَا يُجْعَلُ عِبَارَةً عَنْ الْعَدَدِ مِنْ الْفُلُوسِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: هُوَ فِي الدِّرْهَمِ أَفْحَشُ.

رَجُلٌ أَعْطَى لِرَجُلٍ دِرْهَمًا فَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فَلْسًا، وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ دِرْهَمًا صَغِيرًا، وَزْنُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ عَقْدَيْنِ يَصِحُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ، قَالَ: فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْفُلُوسَ، وَالدِّرْهَمَ الصَّغِيرَ بَطَلَ فِي الدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ صَرْفٌ، وَقَدْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ فِي الْفُلُوسِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِيهِ بَيْعٌ، وَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ، وَلَمْ يَنْقُدْ الثَّمَنَ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْكُلُّ؛ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ، وَقَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ كَذَا فَلْسًا، وَأَعْطِنِي دِرْهَمًا صَغِيرًا يَكُونُ فِيهِ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: يَفْسُدُ الْبَيْعُ كُلُّهُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: يَجُوزُ فِي الْفُلُوسِ وَيَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي الدِّرْهَمِ الصَّغِيرِ يَفْسُدُ لِمَعْنَى الرِّبَا، فَإِنَّ مُقَابَلَةَ نِصْفِ الدِّرْهَمِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً يَكُونُ رِبًا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ لِمَعْنَى الرِّبَا يَفْسُدُ فِي الْكُلِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْبُيُوعِ قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ الْعَقْدَ يَجُوزُ فِي حِصَّةِ الْفُلُوسِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا عَلَى مَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ الْبَاقِي دِرْهَمًا، وَإِذَا تَكَرَّرَ الْإِعْطَاءُ يَتَفَرَّقُ الْعَقْدُ بِهِ، وَفَسَادُ أَحَدِ الْعَقْدَيْنِ لَا يُوجِبُ فَسَادِ الْآخَرِ، أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَى هَذَا الْوَضْعِ لَا يَكُونُ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي أَحَدِهِمَا شَرْطًا لِلْقَبُولِ فِي الْآخَرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>