للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَبْلَ قَبْضِهِ فَيُخَيَّرُ، أَمَّا أَصْلُ الْمَالِيَّةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِالْكَسَادِ، فَيَبْقَى الْعَقْدُ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ انْعِقَادَ هَذَا الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِعَيْنِ الْفُلُوسِ، وَإِنَّمَا كَانَ بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِصِفَةِ الثَّمَنِيَّةِ فِيهَا، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ هُنَا الْبَيْعَ لَا يُنْتَقَضُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى بِدِرْهَمٍ فُلُوسًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ بَعْدَ الْكَسَادِ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا بِالْكَسَادِ تَصِيرُ مَبِيعَةً، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ لَا يَجُوزُ، وَهُنَا ابْتِدَاءُ الْبَيْعِ بَعْدَ الْكَسَادِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ الْفَاكِهَةِ مَبِيعٌ، فَالْفُلُوسُ الْكَاسِدَةُ بِمُقَابَلَةِ الْمَبِيعِ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ ثَمَنًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَدَدِيٌّ مُتَقَارِبٌ كَالْجَوْزِ، وَغَيْرِهِ.

وَإِنْ اشْتَرَى فَاكِهَةً بِدَانَقِ فَلْسٍ، وَالدَّانَقُ عِشْرُونَ فَلْسًا فَلَمْ يَرُدَّ الْفُلُوسَ حَتَّى غَلَتْ، أَوْ رَخُصَتْ فَعَلَيْهِ عِشْرُونَ فَلْسًا؛ لِأَنَّ بِالْغَلَاءِ، وَالرُّخْصِ لَا يَنْعَدِمُ صِفَةَ الثَّمَنِيَّةِ، وَصَارَ هُوَ عِنْدَ الْعَقْدِ بِتَسْمِيَةِ الدَّوَانِقِ مُسَمِّيًا مَا يُوجَدُ بِهِ مِنْ الْفُلُوسِ، وَذَلِكَ عِشْرُونَ، وَلَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعَدَدُ بَعْدَ ذَلِكَ بِغَلَاءِ السِّعْرِ، وَرُخْصِهِ فَهَذَا مِثْلُهُ.

وَإِنْ اشْتَرَى فُلُوسًا بِدِرْهَمٍ، فَوَجَدَ فِيهَا فَلْسًا لَا يُنْفَقُ، وَقَدْ نَقَدَ الدِّرْهَمَ فَإِنَّهُ يَسْتَبْدِلُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ اسْتَحَقَّ فُلُوسًا نَافِقَةً، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْدِلْهُ حَتَّى افْتَرَقَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ مَقْبُوضٌ كَمَا فِي الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ وَجَدَ بَعْضَ الدَّرَاهِمِ زُيُوفًا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَبْدِلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْدِلْهُ حَتَّى تَفَرَّقَا لَمْ يَبْطُلْ الْعَقْدُ، فَهَذَا قِيَاسُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَقَدَ الدَّرَاهِمَ اسْتَبْدَلَهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنِيَّةَ إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ فِي الْبَدَلَيْنِ عَفْوٌ، وَإِنْ كَانَا قَدْ تَفَرَّقَا - وَهُوَ فَلْسٌ لَا يَجُوزُ مَعَ الْفُلُوسِ - رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي الصَّرْفِ، وَإِذَا، وَجَدَ بَعْضَ الْبَدَلِ سُتُّوقًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ يُنْتَقَضُ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ الْأَصْلِ، وَمَا بِإِزَائِهِ غَيْرُ مَقْبُوضٍ فَكَانَ دَيْنًا بِدَيْنٍ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ مَعَهَا فِي حَالٍ، وَلَا يَجُوزُ فِي حَالِ اسْتِبْدَالِهِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الزُّيُوفِ فِي الدَّرَاهِمِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الصَّرْفِ، وَالسَّلَمِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ الْقَلِيلَ زُيُوفًا فَاسْتَبْدَلَ بِهِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ جَازَ الْعَقْدُ فَجُعِلَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ كَاجْتِمَاعِهِمَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَهَذَا قِيَاسُهُ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّرْهَمِ يَعْنِي؛ إذَا كَانَ نَقَدَ الدِّرْهَمَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ يَنْتَقِضُ الْقَبْضُ فِيهِ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِافْتِرَاقَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ كَانَ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ.

وَإِنْ اسْتَقْرَضَ عَشَرَةَ أَفْلُسٍ ثُمَّ كَسَدَتْ تِلْكَ الْفُلُوسُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ -: قِيمَتُهَا مِنْ الْفِضَّةِ - اسْتِحْسَانًا -؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْرَاضِ مِثْلُ الْمَقْبُوضِ، وَالْمَقْبُوضُ فُلُوسٌ هِيَ ثَمَنٌ، وَبَعْدَ الْكَسَادِ يَفُوتُ صِفَةُ الثَّمَنِيَّةِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَيَتَحَقَّقُ عَجْزُهُ عَنْ رَدِّ مِثْلِ مَا الْتَزَمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>