شَرْطُ الْمَكَانِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ فِي الْبَيْعِ مُدَّةَ الْأَجَلِ وَالْمَسْأَلَةَ بِحَالِهَا فَفِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ الْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَبِيعَهُ الْعَبْدَ بِحِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ بِالْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا بِالْبَصْرَةِ فَهَذَا شَرْطُ أَجَلٍ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ مَكَانِ التَّسْلِيمِ فِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ مُعْتَبَرٌ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ مَا لَمْ يَأْتِيَا ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَأَمَّا مَا لَا حِمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِاشْتِرَاطِهِ الْأَجَلَ الْمَجْهُولَ لِنَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَيُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ فِي الْحَالِ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، وَمَعْنَى الْأَجَلِ فِي ضِمْنِهِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا.
وَإِذَا أَقْرَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ الْبَعْضَ وَأَبْرَأَهُ عَنْ الْبَعْضِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فِي الْكُلِّ فَكَذَلِكَ فِي الْبَعْضِ فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا لَمْ يَبْطُلْ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ وَصِحَّةُ الْإِبْرَاءِ لَا تَسْتَدْعِي الْقَبْضَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ أَجَّلَهُ فِيهَا شَهْرًا؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ بَعْدِ الْإِقْرَاضِ كَالْمَقْرُونِ بِالْإِقْرَاضِ وَالْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ لَا يَلْزَمُ الْأَجَلُ إذَا اُقْتُرِنَ بِالْإِقْرَاضِ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَارِيَّةِ فَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّأْجِيلِ بَعْدَ الْإِقْرَاضِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ لِتَمَكُّنِ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذَا الصُّلْحِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ قَبْضِ الدَّنَانِيرِ بَطَلَ الصُّلْحُ، وَإِنْ افْتَرَقَا بَعْدَ مَا قَبَضَ بَعْضَهَا يَبْرَأُ مِنْ حِصَّةِ الْمَقْبُوضِ، وَعَلَيْهِ رَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ وَإِنْ صَالَحَهُ مِنْهَا عَلَى ذَهَبٍ تِبْرٍ أَوْ مَصُوغٍ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ جَازَ إنْ قَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ؛ لِأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ يَنْعَدِمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَالَحَهُ عَلَى فِضَّةٍ لَا يَعْلَمُ وَزْنَهَا؛ فَهُنَاكَ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ رِبَا الْفَضْلِ يَجْرِي وَتَوَهُّمُ الْفَضْلِ كَتَحَقُّقِهِ فِيمَا يَنْبَنِي أَمْرُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَصْلِ: لَوْ صَالَحَهُ عَلَى ذَهَبٍ تِبْرٍ جُزَافًا بِعَيْنِهِ أَوْ وَرِقٍ قِيلَ: قَوْلُهُ: أَوْ وَرِقٍ زِيَادَةٌ مِنْ الْكَاتِبِ وَقِيلَ: بَلْ هُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الصُّلْحِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ مِنْ الْوَرِقِ أَقَلُّ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الصُّلْحِ عَلَى التَّجَوُّزِ بِدَوْرِ الْحَقِّ فَيَجُوزُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّهِ وَزْنًا.
وَإِنْ أَقْرَضَهُ دِرْهَمًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ فُلُوسًا بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَهُوَ جَائِزٌ إنْ قَبَضَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا؛ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ لَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِخِلَافِ جِنْسِهَا فَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ بِدَيْنٍ فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَابِضٌ لِلدِّرْهَمِ بِذِمَّتِهِ؛ وَلِهَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَكَانَ هَذَا عَيْنًا بِدَيْنٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي بَيْعِ الْفُلُوسِ بِالدَّرَاهِمِ أَنَّ قَبْضَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ يَكْفِي قُلْنَا: نَعَمْ صَارَ قَابِضًا لَهُ بِذِمَّتِهِ وَلَكِنْ دَيْنًا لَا عَيْنًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute