- رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْضِيَ أَجْوَدَ مِنْ دَرَاهِمِهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَفْعَلُهُ وَبِهِ نَأْخُذُ وَتَأْوِيلُ كَرَاهَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْقَرْضِ؛ فَلِهَذَا كَرِهَهُ وَقَدْ رَدَّ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْهَدِيَّةَ بِمِثْلِ هَذَا.
وَعَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ قَالَ: جَاءَ إلَيَّ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى فَرَسٍ بَلْقَاءَ فَقَالَ: إنَّهُ أُوصِي إلَيَّ فِي يَتِيمٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تَشْتَرِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا وَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْهُ شَيْئًا، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَقْرِضَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْرِضُ غَيْرَهُ فَكَيْفَ يَسْتَقْرِضُهُ لِنَفْسِهِ؟ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ تَبَرُّعٌ فَلَا يَحْتَمِلُهُ مَالُ الْيَتِيمِ، وَبِظَاهِرِ الْحَدِيثِ يَأْخُذُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَيَقُولُ: إذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لَا يَجُوزُ وَلَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مُرَادُهُ؛ إذَا اشْتَرَى بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِأَقَلَّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْيَتِيمِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ يَنْفِيَ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَأْخُذُ بِمَكَّةَ الْوَرِقَ مِنْ التُّجَّارِ فَيَكْتُبُ لَهُمْ إلَى الْبَصْرَةِ وَإِلَى الْكُوفَةِ فَيَأْخُذُونَ أَجْوَدَ مِنْ وَرِقِهِمْ. قَالَ عَطَاءٌ: فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَخْذِهِمْ أَجْوَدَ مِنْ وَرِقِهِمْ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا، وَبِهِ نَأْخُذُ فَنَقُولُ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هِيَ الْمَنْفَعَةُ الْمَشْرُوطَةُ أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ مَشْرُوطَةً فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مُقَابَلَةُ الْإِحْسَانِ بِالْإِحْسَانِ وَإِنَّمَا جَزَاءُ الْإِحْسَانِ الْإِحْسَانُ، وَكَذَلِكَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ وَإِجَابَةُ دَعْوَتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْوَرِقَ بِمَكَّةَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ إلَى الْكُوفَةِ بِهَا وَتَأْوِيلُ هَذَا عِنْدِنَا أَنَّهُ كَانَ عَنْ غَيْرِ الشَّرْطِ فَأَمَّا إذَا كَانَ مَشْرُوطًا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَالسَّفَاتِجُ الَّتِي تَتَعَامَلُهُ النَّاسُ عَلَى هَذَا إنْ أَقْرَضَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَكَتَبَ لَهُ سَفْتَجَةً بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ شَرَطَ فِي الْقَرْضِ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ بِذَلِكَ خَطَرَ الطَّرِيقِ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.
رَجُلٌ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى شَهْرٍ عَلَى أَنْ يُوفِيَهُ إيَّاهُ بِمِصْرٍ آخَرَ عَيَّنَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ وَالْأَجَلُ مَعْلُومٌ بِالْمُدَّةِ إلَّا أَنَّ فِيمَا لَا حِمْلَ لَهُ وَلَا مُؤْنَةَ يُطَالِبُهُ بِالتَّسْلِيمِ حَيْثُ يَجِدُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ وَفِيمَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُطَالِبُهُ بِهِ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُعْتَبَرٌ إذَا كَانَ مُقَيَّدًا غَيْرَ مُعْتَبَرٍ؛ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَيَّدًا وَهَذَا بِخِلَافِ الْقَرْضِ فَإِنَّ الْمُسْتَقْرِضَ مَضْمُونٌ بِالْمِثْلِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ شَرْطُ الْإِيفَاءِ فِي مَكَان آخَرَ؛ وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ مَكَانِ التَّسْلِيمِ كَاشْتِرَاطِ زَمَانِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمَكَانٍ وَزَمَانٍ، وَشَرْطُ الزَّمَانِ فِي الْقَرْضِ لِلتَّسْلِيمِ لَا يَلْزَمُ، وَهُوَ الْأَجَلُ فَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute