فَقَدْ أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخُمُسَ فِي الرِّكَازِ ثُمَّ فَسَّرَ الرِّكَازَ بِالْمَعْدِنِ، وَهُوَ الذَّهَبُ الْمَخْلُوقُ فِي الْأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ؛ فَإِنَّ الْكَنْزَ مَوْضُوعٌ لِلْعِبَادِ. وَاسْمُ الرِّكَازِ يَتَنَاوَلهُمَا؛ لِأَنَّ الرِّكْزَ هُوَ الْإِثْبَاتُ يُقَالُ: رَكَّزَ رُمْحَهُ فِي الْأَرْضِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُثَبَّتٌ فِي الْأَرْضِ خِلْقَةً أَوْ وَضْعًا. .
وَعَنْ عَامِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي قَرْيَةٍ خَرِبَةٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَأَقْضِي فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا، إنْ كُنْتَ وَجَدْتَهَا فِي قَرْيَةٍ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا قَوْمٌ فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْك، وَإِنْ كُنْتَ وَجَدْتَهَا فِي قَرْيَةٍ لَيْسَ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا أَحَدٌ فَخُمُسُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ وَبَقِيَّتُهَا لَكَ، وَسَنُتِمُّهَا لَك فَجَعَلَ الْكُلَّ لَهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - عَلَى أَنَّ وَاجِدَ الْكَنْزِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لَا يَمْلِكُهُ، وَلَكِنْ يَرُدُّهَا عَلَى صَاحِبِ الْخُطَّةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَالِكٍ كَانَ لِهَذِهِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَا اُفْتُتِحَتْ، وَفِيهِ دَلِيلُ وُجُوبِ الْخُمُسِ فِي الْكَنْزِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ فِي الْوَاجِدِ إذَا رَآهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَضَعَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ: إنْ كَانَتْ قَرْيَةً خَرِبَتْ عَلَى عَهْدِ فَارِسَ فَهُمْ أَحَقُّ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَادِيَةً خَرِبَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لِلَّذِي وَجَدَهُ فَوَجَدُوهَا كَذَلِكَ فَأَدْخَلَ خُمُسَهُ بَيْتَ الْمَالِ وَأَعْطَى الرَّجُلَ بَقِيَّتَهُ وَعَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ كَنْزًا بِالْمَدَائِنِ فَدَفَعَهُ إلَى عَامِلِهِ فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقَالَتْ: بِفِيهِ الْكَثْكَثُ - يَعْنِي التُّرَابَ - فَهَلَّا أَخَذَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْمَالِ، وَدَفَعَ إلَيْهِ خُمُسَهُ. وَهَذَا مَثَلٌ فِي الْعَرَبِ مَعْرُوفٌ لِلْجَانِبِ الْمُخْطِئِ فِي عَمَلِهِ، وَهُوَ مُرَادُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - بِمَا قَالَتْ - يَعْنِي أَنَّهُ خَابَ وَخَسِرَ لِخَطَئِهِ فِيمَا صَنَعَ فِي دَفْعِهِ الْكُلَّ إلَى الْعَامِلِ فَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْفِيَ مِقْدَارَ حَقِّهِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَدْفَعَ إلَى الْعَامِلِ الْأَقْدَرِ الْخُمُسَ. .
وَعَنْ جَبَلَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ خَرَجَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إلَى دَيْرٍ خَرِبَةٍ فَوَقَعَتْ فِيهِ ثُلْمَةٌ فَإِذَا سَتُّوقَةٌ أَوْ جَرَّةٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ ذَهَبٍ قَالَ: فَأَتَيْتُ بِهَا عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لَكَ، وَالْخُمُسُ الْبَاقِي مِنْهُ اقْسِمْهُ فِي فُقَرَاءِ أَهْلِكَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَضْعِ الْخُمُسِ فِي قَرَابَةِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُفَوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ خُمُسَ الرِّكَازِ فِي مَعْنَى خَمْسِ الْغَنِيمَةِ، وَوَضْعُ ذَلِكَ فِي قَرَابَةِ الْغَانِمِينَ جَائِزٌ إذَا كَانُوا مُحْتَاجِينَ إلَيْهِ.
وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَزْدِيِّ قَالَ: وَجَدَ رَجُلٌ رِكَازًا فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ أَبِي بِمِائَةِ شَاةٍ تَبِيعٍ فَلَامَتْهُ أُمِّي، وَقَالَتْ: اشْتَرَيْتَهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ أَنْفُسُهَا مِائَةٌ، وَأَوْلَادُهَا مِائَةٌ وَكِفَايَتُهَا مِائَةٌ فَنَدِمَ الرَّجُلُ فَاسْتَقَالَهُ فَأَبَى أَنْ يُقِيلَهُ فَقَالَ: لَك عَشْرُ شِيَاهٍ فَأَبَى فَقَالَ: لَكَ عَشَرَةٌ أُخْرَى فَأَبَى فَعَالَجَ الرِّكَازَ فَخَرَجَ مِنْهُ قِيمَةُ أَلْفِ شَاةٍ فَأَتَاهُ الْآخَرُ فَقَالَ خُذْ غَنَمَك وَأَعْطِنِي مَالِي فَأَبَى عَلَيْهِ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute