للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَأَضُرَّنَّكَ فَأَتَى عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَدِّ خُمُسَ مَا وَجَدْت لِلَّذِي وَجَدَ الرِّكَازَ، فَأَمَّا هَذَا فَإِنَّمَا أَخَذَ ثَمَنَ غَنَمِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمَعْدِنِ بِالْعُرُوضِ جَائِزٌ وَقَوْلُهُ بِمِائَةِ شَاةٍ تَبِيعٍ أَيْ: كُلُّ شَاةٍ يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ بِأُخْرَى، وَهَذَا مَعْنَى مَلَامِهَا إيَّاهُ حَيْثُ قَالَتْ: اشْتَرَيْتَهَا بِثَلَاثِمِائَةٍ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهَا: وَكِفَايَتُهَا: حَمْلُهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ لَبَنُهَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتَصَرِّفَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَبْنِيَ تَصَرُّفَهُ عَلَى رَأْيِ زَوْجَتِهِ فَإِنَّهُ نَدِمَ بِنَاءً عَلَى رَأْيِهَا ثُمَّ خَرَجَ لَهُ مِنْهُ قِيمَةُ أَلْفِ شَاةٍ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُمُسَ الرِّكَازِ عَلَى الْوَاجِدِ دُونَ الْمُشْتَرِي وَأَنَّ بَيْعَ الْوَاجِدِ قَبْلَ أَدَاءِ الْخُمُسِ جَائِزٌ فِي الْكُلِّ فَيَكُونُ دَلِيلًا لَنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِضْرَارَ بِالْغَيْرِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ كَمَا اُبْتُلِيَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ، وَهَذَا مَعْنَى مَا يُقَالُ مَنْ حَفَرَ مَهْوَاةً وَقَعَ فِيهَا وَيُقَالُ: الْمُحْسِنُ يُجْزَى بِإِحْسَانِهِ وَالْمُسِيءُ سَتُلْقِيهِ مَسَاوِيهِ. .

وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي بَيْعِ تُرَابِ الصَّوَّاغِينَ وَهُوَ غَرَرٌ مِثْلُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَبِهِ نَأْخُذُ فَالْمَقْصُودُ مَا فِي التُّرَابِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا عَيْنُ التُّرَابِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ وَمَا فِيهِ لَيْسَ بِمَعْلُومِ الْوُجُودِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ فَكَانَ هَذَا بَيْعَ الْغَرَرِ. «وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعٍ فِيهِ غَرَرٌ» وَلَكِنْ هَذَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ هَلْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ عُلِمَ وُجُودُ ذَلِكَ فَبَيْعُ شَيْءٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ بِالْعُرُوضِ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَعَنْ «عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّا يُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه: عَرِّفْهَا حَوْلًا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ فِي اللُّقْطَةِ. وَبِظَاهِرِهِ يَسْتَدِلُّ الشَّافِعِيُّ وَيَقُولُ: لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّا نَقُولُ: مُرَادَهُ فَاصْرِفْهَا إلَى حَاجَتِكَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَهُ مُحْتَاجًا. وَعِنْدَنَا لِلْفَقِيرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ.

قَالَ فَإِنْ وَجَدَهَا فِي الْخَرِبِ الْعَادِيَّ فَفِيهَا وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ، وَالْمُرَادُ بِالرِّكَازِ الْمَعْدِنُ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى الْكَنْزِ، وَإِنَّمَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى نَفْسِهِ، وَكُلُّ مَنْ احْتَفَرَ مِنْ الْمَعْدِنِ، فَعَلَيْهِ خُمُسُ مَا وَجَدَ، وَلَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ؛ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ قَالَ: وَأَكْرَهُ أَنْ تَتَقَاسَمُونَهُ التُّرَابَ، وَلَا أُجِيزُهُ، وَإِنْ فَعَلُوا حَتَّى تَخَلَّصَ، تَقَاسَمُوهُ عَلَى مَا يَخْلُصُ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي التُّرَابِ، وَحَقُّهُمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَعِنْدَ قِسْمَةِ التُّرَابِ لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُ مَا يَصِلُ مِنْ الْمَقْصُودِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُمْ فِي مَعْنَى قِسْمَةِ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً،

<<  <  ج: ص:  >  >>