وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فِيهِ مُجَازَفَةً بِجِنْسِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى مَعْدِنَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّ مَا فِي تُرَابِ الْمَعْدِنِ مِنْ الْفِضَّةِ مِثْلُ الْفِضَّةِ الْأُخْرَى، أَوْ أَقَلُّ، أَوْ أَكْثَرُ، وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي بَابِ الرِّبَا وَاجِبٌ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كُنَّا نَدْعُ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ، وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فِي شَيْءٍ إلَّا وَقَدْ غَلَبَ الْحَرَامُ الْحَلَالَ»، وَقَالَ: فِي الرِّبَا «مَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ» وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ فَلَعَلَّ مَا فِي التُّرَابِ مِنْ الْفِضَّةِ مِثْلُ الْمُنْفَصِلِ فَيَكُونُ الذَّهَبُ رِبًا؛ لِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ فَالتُّرَابُ لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ إنْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ جَازَ؛ لِأَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَكَانَ بِالْخِيَارِ إذَا خَلَصَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَرَأَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَشَفَ لَهُ الْحَالَ الْآنَ، وَلَا يَتِمُّ رِضَاهُ بِذَلِكَ، فَكَانَ الْخِيَارُ إلَيْهِ، كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ.
وَكَذَلِكَ تُرَابُ مَعْدِنٍ مِنْ الذَّهَبِ إذَا اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِفِضَّةٍ، أَوْ عَرَضٍ جَازَ لِانْعِدَامِ الرِّبَا بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ
وَإِذَا احْتَفَرَ مَوْضِعًا مِنْ الْمَعْدِنِ، ثُمَّ بَاعَ تِلْكَ الْحُفْرَةَ، فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَمْلِكُ، فَإِنَّ تِلْكَ الْحُفْرَةَ لَمْ يَمْلِكْهَا بِمُجَرَّدِ الْحَفْر؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ، وَهُوَ لَمْ يُحْرِزْهُ، فَإِنَّ إحْرَازَهُ فِيمَا رَفَعَ مِنْ التُّرَابِ، دُونَ الْبَاقِي فِي مَكَانِهِ، فَهُوَ كَبَيْعِ صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزَهَا، وَيُخْرِجَهَا، وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ أَحْرَزَ بَعْضَهَا، فَبَاعَ ذَلِكَ الْمُحْرَزَ بِمِائَةِ شَاةٍ، وَبَاعَ لَهُ الْبَاقِي، وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَدِّ خُمُسَ مَا وَجَدْتَ مِنْ الرِّكَازِ، يَعْنِي مَا أَحْرَزْتَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَاهَا رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهَا عِوَضًا، فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ مَا لَا يَمْلِكُ، وَاشْتَرَطَ الْعِوَضَ عَلَيْهِ فِي إخْرَاجِ الْمُبَاحِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فَرَجَعَ فِي عِوَضِهِ
وَمَا احْتَفَرَ الرَّجُلُ مِنْ الْحُفْرَةِ فَأَحْرَزَهُ، فَهُوَ لَهُ بِالْإِحْرَازِ، وَعَلَيْهِ الْخُمُسُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ الْأَجِيرَ يَعْمَلُ مَعَهُ بِتُرَابِ مَعْدِنٍ مَعْرُوفٍ فَهُوَ جَائِزُ؛ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ، أَوْ الْفِضَّةِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ مِقْدَارِهِ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لَمَّا كَانَ التُّرَابُ مُعَيَّنًا مَعْرُوفًا، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَأَى مَا فِيهِ، كَمَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يَرَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إذَا رَآهُ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِوَزْنٍ مِنْ التُّرَابِ مُسَمًّى بِغَيْرِ عَيْنِهِ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَا فِي التُّرَابِ، وَذَلِكَ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ وَزْنِ التُّرَابِ فَقَدْ يَكْثُر ذَلِكَ فِي الْبَعْضِ، وَيَقِلُّ فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ، وَيَنْعَدِمُ فِي الْبَعْضِ، وَهَذِهِ الْجَهَالَةُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى عَرَضًا بِوَزْنٍ مِنْ التُّرَابِ بِغَيْرِ عَيْنِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا
وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ، فَأَعْطَاهُ بِهِ تُرَابًا بِعَيْنِهِ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ فِضَّةً، فَأَعْطَاهُ تُرَابَ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِتَوَهُّمِ الْفَضْلِ فِيمَا أَعْطَاهُ، وَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute