عَنْ ذَلِكَ، وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ: كَانَ مَوْضِعُ الْخَنْدَقِ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عِنْدَكُمْ هَذَا يَجُوزُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ، وَالْحَرْبِيِّ الَّذِي لَا أَمَانَ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الْمُسْلِمَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الرِّبَا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ فِعْلُهُ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْكَافِرِ بِطَيْبَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَهُ بِحُكْمِ الْعَقْدِ؛ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ رَاضٍ بِأَخْذِ هَذَا الْمَالِ مِنْهُ إلَّا بِطَرِيقِ الْعَقْدِ مِنْهُ، وَلَوْ جَازَ هَذَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَجَازَ مِثْلُهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى أَنْ يَجْعَلَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَ الْآخَرَ هِبَةً، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رَوَيْنَا، وَمَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: «كُلُّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا يُوضَعُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ»، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَعْدَ مَا أَسْلَمَ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ، وَكَانَ يُرْبِي، وَكَانَ يُخْفِي فِعْلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ دَلَّ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمَوْضُوعَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْبِضْ حَتَّى جَاءَ الْفَتْحُ، وَبِهِ نَقُولُ
وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٨] قَالَ مُحَمَّدٌ: وَبَلَغَنَا «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ الْهِجْرَةِ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {الم} [الروم: ١] {غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم: ٢] قَالَ لَهُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ: يَرَوْنَ أَنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ فَارِسَ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالُوا: هَلْ لَكَ أَنْ تُخَاطِرَنَا عَلَى أَنْ نَضَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك خَطْرًا، فَإِنْ غَلَبَتْ الرُّومُ أَخَذْتَ خَطْرَنَا، وَإِنْ غَلَبَتْ فَارِسُ أَخَذْنَا خَطْرَكَ فَخَاطَرَهُمْ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: اذْهَبْ إلَيْهِمْ فَزِدْ فِي الْخَطْرِ، وَأَبْعِدْ فِي الْأَجَلِ، فَفَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَظَهَرَتْ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ، فَبُعِثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ تَعَالَ فَخُذْ خَطْرَك، فَذَهَبَ، وَأَخَذَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِ، وَهَذَا الْقُمَارُ لَا يَحِلُّ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَجَازَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهُوَ مُسْلِمٌ، وَبَيْنَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ فِي دَارِ الشِّرْكِ، حَيْثُ لَا يَجْرِي أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ» «وَلَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكَانَةَ بِأَعْلَى مَكَّةَ فَقَالَ لَهُ رُكَانَةُ: هَلْ لَكَ أَنْ تُصَارِعَنِي عَلَى ثُلُثِ غَنَمِي فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ، وَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ» الْحَدِيثُ. إلَى أَنْ أَخَذَ مِنْهُ جَمِيعَ غَنَمِهِ، ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ تَكَرُّمًا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ مِثْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ مُبَاحٌ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ بِالِاسْتِئْمَانِ ضَمِنَ لَهُمْ أَنْ لَا يَخُونَهُمْ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْهُمْ شَيْئًا إلَّا بِطَيْبَةِ أَنْفُسِهِمْ، فَهُوَ يَتَحَرَّزُ عَنْ الْغَدْرِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ الْمَالَ عَلَيْهِمْ بِالْأَخْذِ لَا بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُسْلِمِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحْسَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute