كَتَصَرُّفِ الْأَبِ، وَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الصَّغِيرِ، وَلِهَذَا اسْتَرَدَّهُ سَعْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا ظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى، أَنَّ الْإِمَامَ إذَا بَلَغَهُ عَنْ عَامِلِهِ مَا رَضِيَ بِهِ مِنْ عَدْلٍ، أَوْ هَيْبَةِ فِعْلِهِ، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ لَهُ مِنْ اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِهَذِهِ الصِّفَةِ: تَهَابُهُ عُمَّالُهُ فِي آفَاقِ الْأَرْضِ، وَذَلِكَ لِحُسْنِ سَرِيرَتِهِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، «مَنْ خَافَ اللَّهَ خَافَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ».
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ طَشْتًا أَوْ إنَاءً لَا يَدْرِي مَا هُوَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ صَاحِبُهُ شَيْئًا؛ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ تَنَاوَلَ الْعَيْنَ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ: مَعْلُومُ الْعَيْنِ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
وَإِذَا اشْتَرَى إنَاءَ فِضَّةٍ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ فِضَّةٍ، فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، وَالْعَقْدُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ انْعِقَادَهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَالْمُسَمَّى مَعْدُومٌ، فَلَا بَيْعَ بَيْنَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ فِضَّةً سَوْدَاءَ، أَوْ حَمْرَاءَ فِيهَا رَصَاصٌ، أَوْ صُفْرٌ، وَهُوَ الَّذِي أَفْسَدَهَا فَهُوَ بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ أَخَذَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى، فَإِنَّ مِثْلَهُ يُسَمَّى إنَاءَ فِضَّةٍ فِي النَّاسِ، إلَّا أَنَّهُ مَعِيبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغِشِّ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمُشَارِ إلَيْهِ بِالتَّسْمِيَةِ، وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِلْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَتْ رَدِيئَةً مِنْ غَيْرِ غِشٍّ فِيهَا؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؛ لِأَنَّ الرَّدَاءَةَ لَيْسَتْ بِعَيْبٍ، فَالْعَيْبُ مَا يَخْلُو عَنْهُ أَصْلُ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَصِفَةُ الرَّدَاءَةِ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ بِالرَّدَاءَةِ تَنْعَدِمُ صِفَةُ الْجَوْدَةِ، وَبِمُطْلَقِ الْعَقْدِ لَا يَسْتَحِقُّ صِفَةَ الْجَوْدَةِ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ السَّلَامَةُ.
وَلَوْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى عَلَى أَنَّ فِيهِ مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا، وَتَفَرَّقَا، فَإِذَا فِي السَّيْفِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَرُدُّ السَّيْفَ؛ لِفَسَادِ الْعَقْدِ بِالْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ، وَهُوَ الْجَفْنُ وَالْحَمَائِلُ.
وَإِنْ اشْتَرَى إبْرِيقَ فِضَّةٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنَّ فِيهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضَا، وَتَفَرَّقَا، فَإِذَا فِيهِ أَلْفَا دِرْهَمٍ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، إنْ شَاءَ قَبَضَ نِصْفَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُشْتَرِيًا مِقْدَارَ مَا سُمِّيَ مِنْهُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ نِصْفُ الْإِبْرِيقِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مُشْتَرِيًا لِلْكُلِّ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهُ رِبًا، وَلَا بِأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ إلَّا أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَجَعَلْنَاهُ مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ بِالْأَلْفِ، وَأَثْبَتْنَا لَهُ الْخِيَارَ؛ لِتَبْعِيضِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ فِيمَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ، بِخِلَافِ السَّيْفِ، فَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ فِي نِصْفِ الْحِلْيَةِ مَعَ السَّيْفِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ الْحِلْيَةَ صِفَةٌ، لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْإِبْرِيقِ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى الْإِبْرِيقَ بِمِائَةِ دِينَارٍ كَانَ جَائِزًا لَهُ كُلُّهُ بِالدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّ الرِّبَا يَنْعَدِمُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَالْإِبْرِيقُ مِمَّا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ فَيَكُونُ الْوَزْنُ فِيهِ صِفَةً فَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ؛ إذَا أَمْكَنَ دُونَ الْوَزْنِ الْمَذْكُورِ.
وَإِنْ اشْتَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute