أَجْرَ عَمَلِكَ ذَهَبًا، عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَتَفَرَّقَا، عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْفِضَّةِ صَرْفٌ، وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ؛ فَكَانَ فَاسِدًا، فَإِنْ عَمِلَهُ كَانَ لَهُ فِضَّةٌ مِثْلُ وَزْنِهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا الْفِضَّةَ، حِينَ اتَّصَلَتْ بِمِلْكِهِ بِإِذْنِهِ؛ بِسَبَبِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ عَيْنِهَا فَعَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِهَا، وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ، لَا يُجَاوِزُ بِهِ مَا سُمِّيَ، أَيْ تُقْسَمُ الدَّنَانِيرُ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ، وَعَلَى الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ، فَتُعْتَبَرُ حِصَّةُ أَجْرِ مِثْلِهِ مِنْ الدَّنَانِيرُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَلَمَّا فَسَدَ فِي حِصَّةِ الصَّرْفِ فَسَدَ فِي الْإِجَارَةِ أَيْضًا، وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ مِثْلِهِ، وَعَلَى الْمِائَةِ الدِّرْهَمِ فَيُعْتَبَرُ حِصَّةُ أَجْرِ مِثْلِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْحَاكِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الصَّرْفِ طَارِئٌ بِالِافْتِرَاقِ قَبِلَ الْقَبْضِ، وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ، قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَقَدْ تَأَمَّلْتُ فِي الْأَصْلِ فَوَجَدْتُهُ يَعْتَبِرُ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِبَيَانِ الْحِصَّةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ: وَكَانَ لَهُ مِقْدَارُ أَجْرِهِ مِنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُسِمَتْ الدَّنَانِيرُ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ، وَعَلَى الْمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ الْإِجَارَةِ، وَاعْتُبِرَ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلِانْقِسَامِ، ثُمَّ جُعِلَ لَهُ بِمُقَابَلَةِ الْعَمَلِ الْمُسَمَّى لِصِحَّةِ الْعَقْدِ.
وَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ ثَوْبًا يَكْتُبُ عَلَيْهِ كِتَابًا بِذَهَبٍ مَعْلُومٍ، بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْفِضَّةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الذَّهَبِ صَرْفٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أُجْرَةً، وَثَمَّنَهُ ذَهَبًا فَإِنَّ ذَهَبَ الْكِتَابَةِ يَكُونُ مَبِيعًا لَا مُسْتَقْرَضًا؛ لِأَنَّهُ سَمَّى مَا يُقَابِلُهُ ثَمَنًا، فَيَكُونُ الْعَقْدُ فِيهِ صَرْفًا أَيْضًا، فَإِنْ قَالَ أَقْرِضْنِي مِثْقَالَ ذَهَبٍ، وَاكْتُبْ بِهِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ كَذَا، وَكَذَا عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ أَجْرَكَ نِصْفَ دِرْهَمٍ، أَوْ قِيرَاطَ ذَهَبٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقْرِضٌ لِلدِّينَارِ، وَهُوَ قَابِضٌ لَهُ؛ لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ. .
وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ، وَقَالَ اخْلِطْ فِيهَا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ ثُمَّ صُغْهَا قَلْبًا، وَلَك كَذَا فَفَعَلَ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ قَدْرَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ، وَقَدْ صَارَ قَابِضًا لَهَا بِالِاخْتِلَاطِ بِمِلْكِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ الْخَلْطِ هَلَكَتْ مِنْ مَالِ الْآمِرِ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ لِلْعَمَلِ فِي مِلْكِهِ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ فِضَّةً، وَقَالَ: صُغْ لِي مِنْ عِنْدِكَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ قَلْبًا، عَلَى أَنْ أُعْطِيَكَ أَجْرَ كَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِضَّةَ الْعَامِلِ فِي يَدِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا لَوْ هَلَكَتْ تَكُونُ مِنْ مَالِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الدَّافِعُ: كَانَتْ فِضَّتِي اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، وَأَمَرْتُكَ أَنْ تَزِيدَ فِيهَا ثَلَاثَةً، فَقَالَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ: بَلْ كَانَتْ عَشَرَةً، وَأَمَرَتْنِي فَزِدْت خَمْسَةً، وَفِي الْقَلْبِ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ، أَنَّهُ زَادَ خَمْسَةً؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ الْفِضَّةِ، فَالدَّافِعُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute