للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّيْفَ، ثُمَّ فَارَقَ الْبَائِعَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ قِيمَةَ الْبَكَرَةِ؛ فَالْبَيْعُ يُنْتَقَضُ فِي الْبَكَرَةِ خَاصَّةً دُونَ السَّيْفِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِ تَضْمِينِ الْمُحْرِقِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا فَالْبَكَرَةُ قَدْ زَايَلَتْ السَّيْفَ، فَانْتِقَاضُ الْعَقْدِ فِيهَا بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، لَا يُوجِبُ الِانْتِقَاضَ فِيمَا بَقِيَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرِ لَا يَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِي الْبَكَرَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا بِاخْتِيَارِهِ تَضْمِينَ الْمُحْرِقِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي السَّلَمِ إذَا اسْتَهْلَكَ الرَّجُلُ رَأْسَ الْمَالِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَاخْتَارَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ تَضْمِينَ الْمُسْتَهْلِكِ، ثُمَّ فَارَقَ رَبَّ السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٌ، وَلَمْ يَبْطُلْ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي بَيَّنَّا.

وَإِنْ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَتَقَابَضَا، ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مُرَابَحَةً بِرِبْحِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، أَوْ بِرِبْحِ ده يازده، أَوْ بِرِبْحِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ بِوَصْفِهِ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ لِلْحِلْيَةِ فِي السَّيْفِ حِصَّةً مِنْ الرِّبْحِ، وَالْخُسْرَانِ، فَيَكُونُ بِمُقَابَلَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ وَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ، أَوْ أَقَلَّ، وَذَلِكَ رِبًا، وَبِفَسَادِ الْعَقْدِ فِي الْحِلْيَةِ يَفْسُدُ فِي جَمِيعِ السَّيْفِ، فَإِنْ قِيلَ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ مِثْلَ وَزْنِ الْحِلْيَةِ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهَا، وَالْبَاقِي كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ السَّيْفِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُرَابَحَةَ، قُلْنَا: لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَعَاقِدَانِ، وَقَدْ صَرَّحَا بِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ مُرَابَحَةٌ، أَوْ وَضِيعَةٌ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ إذَا جَعَلَ بِمُقَابَلَتِهَا مِثْلَ وَزْنِهَا؛ وَلِأَنَّهُمَا جَعَلَا الرِّبْحَ فِي ثَمَنِ السَّيْفِ ده دوازده؛ فَإِذَا جَعَلْنَا جَمِيعَ الرِّبْحِ بِإِزَاءِ السَّيْفِ يَكُونُ الرِّبْحُ فِي ده دوازده، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: تَثْبُتُ حِصَّةُ السَّيْفِ مِنْ الرِّبْحِ، وَتَبْطُلُ حِصَّةُ الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ أَنْ يَمْلِكَ عَلَيْهِ السَّيْفَ حَتَّى يُسَلِّمَ لَهُ جَمِيعَ مَا سُمِّيَ مِنْ الرِّبْحِ، وَأَنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَوْلِيَةً فِي الْحِلْيَةِ وَلَمْ يَقْصِدَا ذَلِكَ، وَإِنْ رَابَحَهُ فِيمَا سِوَى الْفِضَّةِ جَازَ؛ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِكَوْنِ الْعَقْدِ تَوْلِيَةً فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ مُرَابَحَةً فِي حِصَّةِ السَّيْفِ، وَذَلِكَ مُسْتَقِيمٌ فَأَمَّا اللِّجَامُ الْمُمَوَّهُ، فَلَا بَأْسَ بِالْمُرَابَحَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّمْوِيهَ لَا يَتَخَلَّصُ فَلَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِ.

وَإِنْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ، فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِدِينَارِ، وَتَقَابَضَا، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً بِرِبْحِ نِصْفِ دِينَارٍ، أَوْ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا بَاعَهُ بِرِبْحِ نِصْفِ دِينَارٍ، فَإِنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَالْفَضْلُ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَيَكُونُ تَابِعَ الْقَلْبِ بِدِينَارٍ، وَنِصْفِ دِرْهَمٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ بَاعَهُ بِرِبْحِ دِرْهَمٍ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ تَابِعُ الْقَلْبِ بِدِينَارِ، وَدِرْهَمٍ، وَذَلِكَ جَائِزٌ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الدِّرْهَمَ يُقَابِلُهُ مِثْلُ وَزْنِهِ مِنْ الْقَلْبِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَصْلُ، فَإِنَّ الْفِضَّةَ بِمِثْلِ وَزْنِهَا - مُقَابَلَةً - ثَابِتَةٌ شَرْعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَا هَذَا كَانَ الدِّينَارُ بِمُقَابَلَةِ تِسْعَةِ أَعْشَارِ الْقَلْبِ، وَالدِّرْهَمُ بِمُقَابَلَةِ عُشْرِ الْقَلْبِ، فَيَكُونُ بَعْضُ مَا سَمَّيَاهُ رَأْسَ الْمَالِ رِبْحًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>