الزِّيَادَةُ، فَيَكُونُ هَذَا اشْتِغَالًا بِمَا لَا يُفِيدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجَلِهِ يَلْتَحِقُ الشَّرْطُ الصَّحِيحُ وَالزِّيَادَةُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ مَوْجُودٌ هُنَا، وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ: أَنَّهُمَا قَصَدَا تَغْيِيرَ وَصْفِ الْعَقْدِ، يَجْعَلُ الْخَاسِرَ رَابِحًا، وَاللَّازِمَ غَيْرَ لَازِمٍ، وَالتَّصَرُّفَ فِي الْعَقْدِ إلَيْهِمَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ فَسْخَهُ وَإِبْقَاءَهُ، فَكَذَلِكَ يَمْلِكَانِ تَغْيِيرَ وَصْفِهِ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الشَّيْءِ تُمْلَكُ بِمِلْكِ أَصْلِهِ
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا، فَإِنَّهُمَا غَيَّرَا وَصْفَ الْعَقْدِ مِنْ الْجَوَازِ إلَى الْفَسَادِ، وَإِلَيْهِمَا ذَلِكَ، فَمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ بَعْدَ الْعَقْدِ، يُجْعَلُ كَالْمَذْكُورِ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَلَوْ ذُكِرَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ ثَبَتَ، وَإِنْ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ، فَكَذَلِكَ إذَا ذُكِرَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدَ الْمُتَصَارِفَيْنِ إذَا وَهَبَ بَدَلَ الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ صَاحِبِهِ، وَقَبِلَ فَإِنَّهُ يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا: فَكَذَلِكَ إذَا رَدَّهُ فِي بَدَلِ الصَّرْفِ، وَمُحَمَّدٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَطِّ، وَالزِّيَادَةِ فَقَالَ فِي الْحَطِّ: إيفَاءُ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ تَصْحِيحَ الْحَطِّ مُمْكِنٌ؛ بِأَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ هِبَةً مُبْتَدَأَةً، فَيُصَارُ إلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ فَحَطَّ الْبَائِعُ عَنْهُ الثَّمَنَ كُلَّهُ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَقَبِلَهُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْحَطُّ بِطَرِيقِ الْهِبَةِ الْمُبْتَدَأَةِ، وَيُجْعَلُ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِخِلَافِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى ذَلِكَ فَصَرَفَ إلَى إلْغَاءِ الزِّيَادَةِ، وَتَصْحِيحِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ حَطَّ جَمِيعِ الثَّمَنِ يَتَعَذَّرُ إلْحَاقُهُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَيْعًا، وَيَصِيرُ هِبَةً، وَلَمْ يَقْصِدْ الْمُتَعَاقِدَانِ ذَلِكَ بِأَصْلِ السَّبَبِ؛ فَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ هِبَةً، وَهُنَا لَوْ ثَبَتَ حَطُّ الْبَعْضِ عَلَى وَجْهِ الِالْتِحَاقِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، لَمْ يَخْرُجْ الْعَقْدُ بِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَرْفًا كَمَا بَاشَرَاهُ، وَإِنَّمَا يَفْسُدُ بِهِ الْعَقْدُ، وَالْفَاسِدُ مِنْ جِنْسِ الزَّائِدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَضْمَنُ بِالْفَسَادِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إذَا وَهَبَ كَانَ ضَامِنًا، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ الْحَطَّ لِإِخْرَاجِ الْعَيْنِ مِنْ الْعَقْدِ، أَوْ لِإِدْخَالِ الرُّخَصِ فِيهِ، وَالْإِنْسَانُ لَا يَصِيرُ مَغْبُونًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ بِحَطِّ الْجَمِيعِ قَصَدَ الْبِرَّ الْمُبْتَدَأَ فَجَعَلْنَاهُ هِبَةً كَذَلِكَ وَهُوَ يَصِيرُ مَغْبُونًا بِبَعْضِ الثَّمَنِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ، كَمَا يَصِيرُ مَغْبُونًا فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فَيَكُونُ الْحَطُّ لِإِدْخَالِ الرُّخَصِ فِيهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِجَعْلِهِ هِبَةً مُبْتَدَأَةً؛ فَلِهَذَا اُلْتُحِقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، إلَّا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ قَبُولُ الْآخَرِ هُنَا، بِخِلَافِ الْحَطِّ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ؛ لِأَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَطِّ إفْسَادَ هَذَا الْعَقْدِ، وَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِإِفْسَادِ الْعَقْدِ، وَهُنَاكَ فِي تَصْحِيحِ الْحَطِّ إسْقَاطُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِالْمُسْقِطِ، وَحْدَهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ، وَثَوْبًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَفِي الْقَلْبِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَتَقَابَضَا، ثُمَّ حَطَّ عَنْهُ دِرْهَمًا مِنْ ثَمَنِهَا جَمِيعًا، فَإِنَّ نِصْفَ الْحَطِّ فِي الثَّوْبِ، وَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ فِي الْقَلْبِ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحَطُّ فِيهِمَا جَمِيعًا، فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute