أَوْ قَبَضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ، وَإِنْ فَارَقَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ اُنْتُقِضَ مِنْ الثَّمَنِ بِحِصَّةِ الدِّينَارِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تَلْتَحِقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ صَارِفٌ سَيْفًا مُحَلًّى، وَدِينَارًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَخَمْسُونَ دِرْهَمًا مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَةِ الْحِلْيَةِ، وَتُقْسَمُ الْخَمْسُونَ الْبَاقِيَةُ عَلَى قِيمَةِ الدِّينَارِ، وَقِيمَةِ السَّيْفِ بِغَيْرِ حِلْيَةٍ، فَمَا يَخُصُّ الدِّينَارَ يَجِبُ رَدُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ يَبْطُلُ فِيهِ بِتَرْكِ قَبْضِ الدِّينَارِ فِي الْمَجْلِسِ.
وَلَوْ اشْتَرَى قَلْبَ فِضَّةٍ فِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةٍ، وَاشْتَرَى هُوَ، أَوْ غَيْرُهُ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا بِرِبْحِ دَهٍ يازده، أَوْ بِوَضِيعَةِ عُشْرِ أَحَدَ عَشَرَ جَازَتْ حِصَّةُ الثَّوْبِ، وَلَا تَجُوزُ حِصَّةُ الْقَلْبِ لِمَعْنَى الرِّبَا، وَهَذَا قَوْلُهُمَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ كُلُّهُ؛ لِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ، وَلَوْ قَالَ أَبِيعُكَهُمَا بِوَضِيعَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عِشْرِينَ، أَوْ بِزِيَادَةِ دِرْهَمٍ عَلَى عِشْرِينَ دِرْهَمًا كَانَ جَائِزًا، وَكَانَتْ الْفِضَّةُ بِمِثْلِهَا، وَالثَّوْبُ بِمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسِبْ الْعِشْرِينَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا إلَى مَا قَامَ عَلَيْهِ بِهِ فَكَانَ هَذَا بَيْعَ مُسَاوِمَةٍ، وَفِي بَيْعِ الْمُسَاوِمَةِ يُقَابِلُ الْفِضَّةَ مِثْلُ وَزْنِهَا، وَالْبَاقِي بِمُقَابِلِ الثَّوْبِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ نَصٌّ عَلَى بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ فِيهِمَا، وَفِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ جَمِيعَ الرِّبْحِ بِمُقَابَلَةِ الثَّوْبِ.
وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، وَزْنُهَا كَذَلِكَ، وَاشْتَرَى شَيْئًا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَزْنُهَا كَذَلِكَ، وَاشْتَرَى سَيْفًا بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا بِجَفْنِهِ وَحَمَائِلِهِ، ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَيْهِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الصِّيَاغَةِ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ: يُقَوَّمُ عَلَيَّ بِمِائَةٍ، وَعَشَرَةٍ، فَبَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ بِرِبْحِ عَشَرَةٍ أَحَدَ عَشَرِ أَوْ بِرِبْحِ عِشْرِينَ دِرْهَمًا كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِجَعْلِ بَعْضِ الرِّبْحِ بِمُقَابَلَةِ الْفِضَّةِ، وَالْكُلُّ فِي حُكْمِ شَيْءٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا فَسَدَ الْعَقْدُ فِي بَعْضِهِ، فَسَدَ فِي كُلِّهِ، وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ، وَالنَّفَقَةُ دَنَانِيرَ جَازَ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ.
وَلَوْ اشْتَرَى فَلْسًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَفِيهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَقَبَضَ الْقَلْبَ، وَغَصَبَهُ الْآخَرُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، أَوْ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ ذَلِكَ، ثُمَّ افْتَرَقَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ ثَمَنَ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ بَقَاءِ الْعَقْدِ قَبْضُ الْبَدَلِ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَدْ وُجِدَ، فَإِنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِحَقِّهِ، وَإِنْ أُخِذَ عَلَى سَبِيلِ الْغَصْبِ، وَالْقَرْضِ؛ لِأَنَّهُ ظَفِرَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ، فَيَكُونُ بِالْقَبْضِ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ لَا مُسْتَقْرِضًا، وَلَا قَابِضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى الْمُقَاصَّةِ هُنَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْوَاجِبِ قَبْلَ عَقْدِ الصَّرْفِ إذَا جَعَلَا بَدَلَ الصَّرْفِ قِصَاصًا بِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَلَوْ اشْتَرَى الْقَلْبَ مَعَ ثَوْبٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَقَبَضَ الْقَلْبَ، وَنَقَدَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، ثُمَّ افْتَرَقَا، كَانَ الْمَنْقُودُ مِنْ الْقَلْبِ خَاصَّةً - اسْتِحْسَانًا -؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ مُسْتَحَقٌّ فِي الْمَجْلِسِ، وَقَبْضُ ثَمَنِ الثَّوْبِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ، وَفِي سَائِرِ الْبُيُوعِ إنَّمَا يُجْعَلُ الْمَنْقُودُ مِنْ ثَمَنِهِمَا؛ لِأَجْلِ الْمُعَاوَضَةِ، وَالْمُسَاوَاةِ وَلَا مُعَاوَضَةَ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّ، وَبَيْنَ مَا لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ؛ وَلِأَنَّ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute