جَعْلِ ذَلِكَ مِنْ ثَمَنِهِمَا هُنَا نَقْضَ الْبَيْعِ فِي نِصْفِ الْقَلْبِ، وَلَمَّا كَانَ يُسْتَحْسَنُ لِتَصْحِيحِ الْعَقْدِ فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ فَالِاسْتِحْسَانُ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ فَسَادِهِ بَعْدَ الصِّحَّةِ أَوْلَى، وَلَوْ نَقَدَهُ الْعَشَرَةَ، وَقَالَ: هِيَ مِنْ ثَمَنِهِمَا جَمِيعًا فَهُوَ مِثْلُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُضَافُ إلَى الشَّيْئَيْنِ، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - {: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: ٢٢]، وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْمَالِحُ، وَقَالَ - تَعَالَى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} [الأنعام: ١٣٠] فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِنْسُ خَاصَّةً، فَهُنَا وَإِنْ قَالَ: هُوَ مِنْ ثَمَنِهِمَا فَقَدْ قَصَدَ إيفَاءَ الْحَقِّ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ، وَإِيفَاءُ ثَمَنِ الْقَلْبِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مُسْتَحَقٌّ بِخِلَافِ ثَمَنِ الثَّوْبِ فَيَصْرِفُ ذَلِكَ إلَى ثَمَنِ الْقَلْبِ، وَإِنْ قَالَ: هِيَ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً، وَقَالَ الْآخِرُ: نَعَمْ، أَوْ قَالَ: لَا، وَتَفَرَّقَا عَلَى ذَلِكَ انْتَقَضَ الْبَيْعُ فِي الْقَلْبِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَقْدِ، أَوْ الْإِضَافَةِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَعْدَ تَصْرِيحِ الدَّافِعِ؛ بِكَوْنِ الْمَدْفُوعِ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ خَاصَّةً، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ فِي بَيَانِ جِهَتِهِ.
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى سَيْفًا مُحَلَّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، وَقَبَضَ السَّيْفَ، وَنَقَدَهُ خَمْسِينَ، وَقَالَ هِيَ مِنْ ثَمَنِ السَّيْفِ دُونَ الْحِلْيَةِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْقَابِضُ، أَوْ لَمْ يَرْضَ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَفِي الْقِيَاسِ: هُوَ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِافْتِرَاقِهِمَا كَمَا فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَجَعَلَ الْمَنْقُودَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ هُنَا؛ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا الْمَنْقُودَ ثَمَنَ الْحِلْيَةِ يَصِحُّ الْقَبْضُ، وَالدَّفْعُ، وَلَوْ جَعَلْنَاهُ ثَمَنَ السَّيْفِ يَبْطُلُ ذَلِكَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ فِي حِصَّةِ الْحِلْيَةِ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِبُطْلَانِهِ فِي حِصَّةِ السَّيْفِ فَيَجِبُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ فَكَانَ هَذَا تَصْرِيحًا بِمَا لَا يُفِيدُ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ جَعَلْنَا الْمَنْقُودَ مِنْ ثَمَنِ الثَّوْبِ سُلِّمَ لِلْقَابِضِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ، يُوَضِّحُهُ: أَنَّ الْحِلْيَةَ وَالسَّيْفَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَفِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يُعْتَبَرُ تَعْيِينُهُ فِي الْمَنْقُودِ أَنَّهُ ثَمَنُ هَذَا الْجَانِبِ دُونَ الْجَانِبِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْقَلْبِ، وَالثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ دَنَانِيرَ.
وَلَوْ اشْتَرَى فِضَّةً بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، وَاشْتَرَى سَيْفًا، وَجَفْنًا، وَحَمَائِلَ بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ، وَأَنْفَقَ عَلَى صِنَاعَتِهِ، وَتَرْكِيبِهِ دِينَارًا، ثُمَّ بَاعَهُ مُرَابَحَةً عَلَى ذَلِكَ بِرِبْحِ دَهٍ يازده، وَتَقَابَضَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَلْبُ فِضَّةٍ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ بِدِينَارٍ، وَثَوْبٌ لِآخَرَ يُقَوَّمُ بِدِينَارَيْنِ فَبَاعَاهُمَا مُرَابَحَةً بِرِبْحِ دِينَارٍ، أَوْ بِرِبْحِ ده يازده، فَإِنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْبَاقِيَ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ مَقْسُومٌ عَلَى الثَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَقَدْ كَانَ الثَّمَنُ الْأَوَّلُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا، وَإِنْ كَانَ قَلْبُ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَثَوْبٌ لِآخَرَ قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَبَاعَاهُ مِنْ رَجُلٍ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي لَهُ إلَّا أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute