للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُ نِصْفَ الثَّمَنِ لِتَحْقِيقِ هَذَا الْمَعْنَى وَقِيلَ لِإِتْمَامِ الْإِحْسَانِ، وَإِنَّ تَمَامَ الْإِحْسَانِ أَنْ يَحُطَّ الشَّطْرَ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى إنْسَانٍ فَطَالَبَ غَرِيمَهُ، فَقَالَ: أَحْسِنْ إلَيَّ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: وَهَبْت لَك النِّصْفَ فَقِيلَ لَهُ: النِّصْفُ كَثِيرٌ، فَقَالَ: وَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْله تَعَالَى {وَأَحْسِنُوا إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: ١٩٥] سَمِعْت جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مِنْ تَمَامِ الْإِحْسَانِ أَنْ يُحَطَّ الشَّطْرُ». فَأَمَّا قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ»، فَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالسِّينِ، وَالْمُرَادُ الْقُرْبُ، وَبِالصَّادِ، وَالْمُرَادُ الْأَخْذُ، وَالِانْتِزَاعُ، يَعْنِي: لَمَّا جَعَلَهُ الشَّرْعُ أَحَقَّ بِالْأَخْذِ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالْعَرْضِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَيْضًا، وَهُوَ دَلِيلٌ لَنَا عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ اسْمًا مُشْتَقًّا مِنْ مَعْنًى، وَالْحُكْمُ مَتَى عُلِّقَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ، فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: ٢]، وقَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] وَهَذَا الْمَعْنَى مُؤَثِّرٌ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَإِنَّ الضَّرَرَ مَدْفُوعٌ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فِي الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ بِالْمُجَاوَرَةِ، يَعْنِي: الضَّرَرَ الْبَادِيَ إلَى سُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ حَيْثُ إبْعَادِ النَّارِ وَإِعْلَاءِ الْجِدَارِ وَإِثَارَةِ الْغُبَارِ وَمَنْعِ ضَوْءِ النَّهَارِ وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْجَارِ الشَّرِيكُ، فَقَدْ يُطْلَقُ اسْمُ الْجَارِ عَلَى الشَّرِيكِ قَالَ الْأَعْشَى

أَيَا جَارَتِي بِينِي فَإِنَّكِ طَالِق ... كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ عَادٍ وَطَارِقَة

وَالْمُرَادُ زَوْجَتُهُ، وَهِيَ شَرِيكَتُهُ فِي الْفِرَاشِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي هَذَا تَرَكَ الْحَقِيقَةَ إلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، ثُمَّ الزَّوْجَةُ تُسَمَّى جَارَةً؛ لِأَنَّهَا مُجَاوَرَةٌ فِي الْفِرَاشِ تَتَصَرَّفُ عَنْهُ لَا؛ لِأَنَّهَا تُشَارِكُهُ وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا التَّأْوِيلِ، وَإِنَّ سَعْدًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَرَضَ بَيْتًا لَهُ عَلَى جَارٍ لَهُ وَرَوَى الْحَدِيثَ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْبَيْتِ كَانَ لَهُ، وَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْجَارَ دُونَ الشَّرِيكِ حِينَ اسْتَعْمَلَ الْحَدِيثَ فِيهِ.

وَعَنْ الْحَسَنِ فِي الشُّفْعَةِ لِلْيَتِيمِ قَالَ: وَصِيُّهُ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ إنْ شَاءَ أَخَذُوا الْغَائِبَ عَلَى شُفْعَتِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ، وَأَنَّ وَلِيَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْأَخْذِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِطَرِيقِ التِّجَارَةِ، وَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْيَتَامَى وَتَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَيْهِمْ؛ وَلِهَذَا الْمَقْصُودِ أَقَامَ الشَّرْعُ وَلِيَّهُ مَقَامَهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِلْغَائِبِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُثْبِتَ لِحَقِّهِ قَائِمٌ مَعَ غَيْبَتِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْغَيْبَةِ فِي إبْطَالِ حَقٍّ تَقَرَّرَ سَبَبُهُ، فَإِذَا حَضَرَ وَعَلِمَ بِهِ كَانَ عَلَى شُفْعَتِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بَعْدَ مَا يَثْبُتُ لَا يَسْقُطُ، إلَّا بِإِسْقَاطِهِ، وَالرِّضَا بِسُقُوطِهِ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً وَبِتَرْكِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْجَهْلِ بِهِ، وَالْغَيْبَةِ لَا يَتَحَقَّقُ هَذَا الْمَعْنَى لِانْعِدَامِ تَمَكُّنِهِ عَنْ الطَّلَبِ.

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>