اسْتِحْسَانٌ ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ (وَفِي الْقِيَاسِ) لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ، إلَّا فِي نَصِيبِ الصَّغِيرِ خَاصَّةً، أَوْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ، وَالْوَصِيَّةُ اعْتِبَارٌ لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ) أَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالَ: الْوِلَايَةُ بِالْوِصَايَةِ لَا تَتَجَزَّأُ، فَإِذَا ثَبَتَ فِي بَعْضِ الدَّارِ ثَبَتَ فِي كُلِّهَا وَفِي بَيْعِ الْكُلِّ مَنْفَعَةٌ لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَالْجُمُلُ يُشْتَرَى بِمَا لَا يُشْتَرَى بِهِ الْأَشْقَاصُ وَإِذَا بَلَغَ الشَّفِيعُ شِرَاءَ نِصْفِ الدَّارِ فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَى جَمِيعَهَا كَانَ لَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ النِّصْفَ وَكَانَ حَقُّهُ فِي أَخْذِ الْكُلِّ، وَالْكُلُّ غَيْرُ النِّصْفِ، فَلَا يَكُونُ إسْقَاطُ النِّصْفِ إسْقَاطًا لِلْكُلِّ وَلَوْ أُخْبِرَ بَيْع الْكُلّ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عِلْم أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى النِّصْف، فَلَا شُفْعَة لَهُ؛ لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَة تَسْلِيم الْكُلّ تَسْلِيم النِّصْف الَّذِي هُوَ حَقّه يُوضِح الْفَرْق أَنَّ الْأَشْقَاص لَا يُرْغَب فِيهَا كَمَا يُرْغَب فِي الْجُمَل، وَإِنَّمَا سَلَّمَ حِين أُخْبِرَ بِشِرَاءِ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ مَعَ عَيْبِ الشَّرِكَةِ، فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعِيبًا
فَأَمَّا إذَا سَلَّمَ وَلَمْ يَرْغَبْ فِي الْأَخْذِ بِدُونِ عَيْبِ الشَّرِكَةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ رَاغِبًا فِيهِ مَعَ عَيْبِ الشَّرِكَةِ وَذَكَرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَلَى ضِدِّ هَذَا، فَقَالَ: إذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ النِّصْفِ فَسَلَّمَ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَى الْجَمِيعَ، فَلَا شُفْعَةَ لَهُ وَإِذَا أُخْبِرَ بِشِرَاءِ الْجَمِيعِ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ النِّصْفِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ ثَمَنِ الْجَمِيعِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ حَاجَةٌ إلَى النِّصْفِ لِيُتِمَّ بِهِ مَرَافِقَ مِلْكِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَمِيعِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَعَلِمَ الشَّفِيعُ وَقَالَ قَدْ سَلَّمْتهَا أَوْ سَلَّمْت نِصْفَ الشُّفْعَةِ كَانَ مُسَلِّمًا لِجَمِيعِهَا أَمَّا إذَا سَلَّمَ الْكُلَّ فَلِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْحَقَّ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَأَمَّا إذَا سَلَّمَ النِّصْفَ فَلِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتًا وَاسْتِيفَاءً، فَلَا يَتَجَزَّأُ إسْقَاطًا أَيْضًا وَمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ نِصْفَ امْرَأَتِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ تَسْلِيمَ النِّصْفِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي أَخْذِ النِّصْفِ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ إسْقَاطُهُ فِيمَا لَهُ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ فِيهِ؛ وَلِأَنَّ هَذَا مِنْهُ إظْهَارٌ لِرَغْبَةٍ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّارِ وَهُوَ النِّصْفُ، وَإِنَّمَا يُسْقِطُ شُفْعَتَهُ بِأَعْرَاضِهِ عَنْ الطَّلَبِ لَا بِإِظْهَارِ الرَّغْبَةِ فِيهِ، وَلَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِيمَا إذَا كَانَ طَلَبَ أَوَّلًا، ثُمَّ سَلَّمَ النِّصْفَ أَمَّا إذَا قَالَ كَمَا سَمِعَ سَلَّمْت نِصْفَ الشُّفْعَةِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَسْقُطُ شُفْعَتُهُ كَمَا لَوْ سَكَتَ عَنْ الطَّلَبِ.
وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَارًا فَغَرِقَ بِنَاؤُهَا، أَوْ احْتَرَقَ وَبَقِيَتْ الْأَرْضُ لَمْ يَكُنْ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا، إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَوْ أَحْرَقَ الْبِنَاءَ بِيَدِهِ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ إذَا قُسِّمَ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا قَوْلَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَا يَأْخُذُ، إلَّا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَفِي الْقَوْلِ الْآخَرِ يَأْخُذُ الْأَرْضَ بِحِصَّتِهَا فِي الْوَجْهَيْنِ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute