للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُقْسَمُ عَلَى الْأَلْفِ وَعَلَى دَمِ الْعَمْدِ وَقِيمَةِ الدِّيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدِ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى الدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ عَشَرَةُ آلَافٍ، فَإِذَا جَعَلْت كُلَّ أَلْفٍ جُزْءًا كَانَتْ حِصَّةُ الدَّمِ مِنْ الدَّارِ عَشَرَةَ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا، وَحِصَّةُ الْأَلْفِ: جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا فَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ ذَلِكَ بِالشُّفْعَةِ، وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ مِنْ شِجَاجِ الْعَمْدِ الَّتِي فِيهَا الْقَوَدُ، وَإِنْ صَالَحَهُ مِنْ مُوضِحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَمْدٌ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ عَلَى دَارِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ نِصْفَهَا بِخَمْسِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ مُوجَبَ مُوضِحَةِ الْخَطَأِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، فَإِذَا صَالَحَ عَنْهُمَا عَلَى دَارٍ كَانَ نِصْفُهَا بَدَلًا عَنْ الْقَوَدِ وَنِصْفُهَا بَدَلًا عَنْ الْخَمْسِمِائَةِ، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمَقْصُودُ بِهَذَا الصُّلْحِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا يُعَارِضُ النَّفْسَ أَلَا تَرَى أَنَّ مُوجِبَ مُوضِحَةِ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقَوَدُ عَلَى صَاحِبِ الدَّارِ خَاصَّةً، وَأَنَّ مُوجِبَ الْخَطَأِ عَلَيْهِ وَعَلَى عَوَاقِلِهِ وَإِذَا لَمْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَجِبُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا إمَّا؛ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيكًا بِمَا هُوَ الْأَصْلُ، أَوْ قِيَاسًا عَلَى الْمُضَارِبِ إذَا بَاعَ دَارًا مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَرَبُّ الْمَالِ شَفِيعُهَا بِدَارٍ لَهُ وَفِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَإِنَّهُ لَا يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ نَصِيبَ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ لَمْ تَجِبْ لَهُ فِيمَا هُوَ الْأَصْلُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ لَهُ، فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا.

وَإِنْ صَالِح مِنْ كَفَالَةٍ بِنَفْسِ رَجُلٍ عَلَى دَارٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهَا؛ لِأَنَّ هَذَا الصُّلْحَ بَاطِلٌ، فَإِنَّهُ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَمْلِكُ الْكَفِيلُ شَيْئًا، فَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِوَضًا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ صَحِيحًا لَمْ يَجِبْ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ مُلِكَتْ بِإِزَاءِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِنَفْسِ رَجُلٍ فِي قِصَاصٍ وَاحِدٍ، أَوْ مَالٍ فَفِي حُكْمِ الشُّفْعَةِ، وَبُطْلَانِ الصُّلْحِ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَلَوْ صَالَحَهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ، فَإِنْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَبْرَأَ فُلَانٌ مِنْ الْمَالِ كُلِّهِ، فَهُوَ جَائِزٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ صُلْحَ الْأَجْنَبِيِّ عَنْ الدَّيْنِ عَلَى مِلْكِهِ صَحِيحٌ كَصُلْحِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ كَانَ الْمَدْيُونُ هُوَ الَّذِي صَالَحَ عَلَى ذَلِكَ جَازَ الصُّلْحُ وَوَجَبَ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ فَكَذَلِكَ إذَا فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ هُوَ كَفِيلٌ بِالنَّفْسِ، وَإِنْ قَالَ أَقَبَضْتُكُمَا عَنْهُ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهُ الدَّارَ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهَا مِنْ الدَّيْنِ فَقَضَاءُ الدَّيْنِ بِالدَّارِ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ، أَوْ بَعْضُهُ فَكَانَ الصُّلْحُ فَاسِدًا، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْعِوَضِ فِي الصُّلْحِ الْفَاسِدِ فِي الْبَيْعِ كَمَا لَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ، وَهِيَ صَغِيرَةٌ عَلَى دَارٍ فَطَلَبَهَا الشَّفِيعُ بِالشُّفْعَةِ فَسَلَّمَهَا الْأَبُ لَهُ بِثَمَنٍ مُسَمًّى مَعْلُومٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، أَوْ بِقِيمَةِ الدَّارِ فَهَذَا بَيْعٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الصَّدَاقَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ إلَى الشَّفِيعِ سَمْحًا بِغَيْرِ قَضَاءٍ بِمَنْزِلَةِ الشَّفِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>