الْمُبْتَدِئِ وَلِلْأَبِ وِلَايَةُ الْبَيْعِ فِي دَارِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ، وَهُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِيهِ مُسَمًّى مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ الِابْنَةُ كَبِيرَةً فَسَلَّمَتْ، فَهُوَ بَيْعٌ وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَلَا شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي، أَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا أَمَّا قَبْلَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ مِلْكِ الْبَائِعِ فِيهَا وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلِبَقَاءِ حَقِّهِ فِي اسْتِرْدَادِهَا. وَوُجُوبُ الشُّفْعَةِ بِغَيْرِ انْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ عَنْ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَهَا فَبِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهَا فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكهَا بِالْقَبْضِ، فَهُوَ جَارٌ لِلدَّارِ الْمَبِيعَةِ حِينَ بِيعَتْ بِمِلْكِ هَذِهِ الدَّارِ وَقِيَامُ حَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ هَذِهِ الشُّفْعَةِ لَهَا كَقِيَامِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ لِلرَّاهِنِ إذَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا، فَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى رَدَّ هَذِهِ الدَّارَ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ فِي تِلْكَ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ وَقِيَامُ السَّبَبِ لَهُ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ شَرْطٌ لِلْقَضَاءِ لَهُ بِالْأَخْذِ، وَلَا شُفْعَةَ لِلْبَائِعِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ جَارًا حِينَ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّارُ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ دَارِهِ الَّتِي يَطْلُبُ بِهَا الشُّفْعَةَ قَبْلَ أَنْ يُخَاصِمَ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَبِيعَةَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ زَالَ جِوَارُهُ، وَلَا الْمُشْتَرِي مِنْهُ؛ لِأَنَّ جِوَارَهُ حَادِثٌ بَعْدَ مِلْكِهِ الدَّارَ.
وَإِذَا اشْتَرَى دَارًا شِرَاءً فَاسِدًا وَقَبَضَهَا وَبَنَاهَا فَلِلْبَائِعِ قِيمَتُهَا وَيَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ فِي الِاسْتِرْدَادِ، وَلَكِنْ يَهْدِمُ بِنَاءَ الْمُشْتَرِي فَيَرُدُّ الدَّارَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى فِي بُقْعَةٍ غَيْرُهُ أَحَقُّ بِتَمَلُّكِهَا مِنْهُ فَيَنْقُضُ بِنَاءَهُ لِلرَّدِّ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، كَالْمُشْتَرِي إذَا بَنَى فِي الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ بَيْعٌ لَحِقَ الثَّابِتَ فِي الْأَصْلِ بِصِفَةِ التَّأْكِيدِ لَا يَبْطُلُ بِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ، ثُمَّ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ أَقْوَى مِنْ حَقِّ الشَّفِيعِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالسُّكُوتِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْبَائِعِ، وَإِنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ وَعَلَيْهِ شَرْعًا، ثُمَّ بِنَاءُ الْمُشْتَرِي فِي مِلْكِهِ يُنْقَضُ لِحَقِّ الشَّفِيعِ مَعَ ضَعْفِهِ فَلَأَنْ يُنْقَضَ بِحَقِّ الْبَائِعِ فِي الِاسْتِرْدَادِ كَانَ أَوْلَى أَرَأَيْت لَوْ هَدَمَ الْمُشْتَرِي بِنَاءَهُ أَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَهَذَا لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ، فَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ مَا رَفَعَ بِنَاءَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ فَلَأَنْ يَرُدَّهَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ كَانَ أَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ حَقِّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ، فَهُوَ حَقٌّ ضَعِيفٌ فَيَسْقُطُ بِمَعْنًى فِي الْبَيْعِ كَمَا يَسْقُطُ بِحُدُوثِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: بَنَى فِي مِلْكِ نَفْسِهِ بِتَسْلِيطِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَلَا يُنْقَضُ بِنَاؤُهُ لِحَقِّهِ، كَالْمَوْهُوبِ لَهُ يَبْنِي فِي الدَّارِ الْمَوْهُوبَةِ وَبَيَانُ الْوَصْفِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الِاسْتِرْدَادِ لِلْبَائِعِ، فَهُوَ الَّذِي سَلَّطَ الْمُشْتَرِيَ عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ بِإِيجَابِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا
وَالْبَيْعُ، وَإِنْ فَسَدَ شَرْعًا، فَالتَّسْلِيطُ مِنْ الْبَائِعِ بَقِيَ مُعْتَبَرًا فِي حَقِّهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ سَائِرَ تَصَرُّفَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute