- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَوَائِبُهُ» وَاعْلَمْ أَنَّ خَيْبَرَ كَانَتْ سِتَّةَ حُصُونٍ الشَّقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَيْبَةَ وَالسَّلَالِمَ وَالْغُمُوضَ وَالْوَطِيحَةَ إلَّا أَنَّ الْأَمْوَالَ وَالْمَزَارِعَ كَانَتْ فِي ثَلَاثَةِ حُصُونٍ مِنْهَا: النَّسَقِ وَالنَّطَاةِ وَالْكَيْبَةِ وَقَدْ افْتَتَحَ بَعْضَ الْحُصُونِ مِنْهَا عَنْوَةً وَقَهْرًا وَبَعْضَهَا صُلْحًا عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ «كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحَقِيقِ مَعَ قَوْمِهِ صَالَحَ عَلَى النُّزُولِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْمَغَازِي فَمَا افْتَتَحَ مِنْهَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَالِصًا؛ فَإِنَّهُمْ إنَّمَا خَرَجُوا؛ لِمَا وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الرُّعْبِ» وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنُّصْرَةِ بِإِلْقَاءِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ «قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ» وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ} [الحشر: ٦]. إلَى قَوْلِهِ {: وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ:} [الحشر: ٦]
«فَجَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ الْحِصَّةَ مَعَ الْخُمْسِ فِي الشَّطْرِ وَقَسَّمَ الشَّطْرَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ» وَقَدْ فَسَّرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَالْكَلْبِيُّ عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَ هَذَا عَنْهُمَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جَمِيعًا وَكَانَتْ الرِّجَالُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ، وَكَانَ عَلَى كُلِّ مِائَةٍ رَجُلٌ، فَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ عُبَيْدُ السُّهَا عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مِائَةٍ وَكَانَ الْقَاسِمُ فِي النَّسَقِ وَالنَّطَاةِ وَكَانَتْ النَّسَقُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَالنَّطَاةُ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ فِيهَا خُمْسُ اللَّهِ وَطَعَامُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَطَايَاهُ وَكَانَ أَوَّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ النَّسَقِ سَهْمَ عَاصِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِيهِ سَهْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -». الْحَدِيثُ إلَى آخِرِهِ. فَهَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ فَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ذَكَرَ الشَّطْرَيْنِ وَأَنَّ أَصْلَ الْقِسْمَةِ كَانَتْ عَلَى سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ذَكَرَ مِقْدَارَ مَا قَسَّمَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ أَنَّهُ قَسَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ فِي الْمَغَانِمِ قِسْمَيْنِ عَلَى الْعُرَفَاءِ وَأَصْحَابِ الرَّايَاتِ وَقِسْمَةً أُخْرَى عَلَى الرُّءُوسِ الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ كُلِّ رَايَةٍ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُعَادَلَةِ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَيْسَرُ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَسَّمَ ابْتِدَاءً عَلَى الرُّءُوسِ رُبَّمَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اعْتِبَارُ الْمُعَادَلَةِ، ثُمَّ «لَمْ يَجْعَلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِ نَفْسِهِ سَهْمًا وَلَكِنْ كَانَ سَهْمُهُ مَعَ سَهْمِ ابْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» فَقِيلَ إنَّهُ تَوَاضَعَ بِذَلِكَ وَقِيلَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يُسَاوِي اسْمَهُ اسْمٌ فِي الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ؛ وَلِهَذَا خَرَجَ سَهْمُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِيهِ سَهْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا يَقُولُهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الْعَرَافَةَ مَذْمُومَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُتَحَرَّزُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي الْجِهَادِ وَقِسْمَةِ الْغَنَائِمِ الْعَرَافَةَ غَيْرَ مَذْمُومَةٍ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute