اخْتَارَ لِذَلِكَ الْكِبَارَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَعَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، ثُمَّ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي أَنَّ سَهْمَ الْفَرَسِ ضِعْفُ سَهْمِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَكَانَتْ الرِّجَالُ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَالْخَيْلُ أَرْبَعَمِائَةِ فَرَسٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الرِّجَالِ سَهْمٌ وَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الرِّجَالِ سَهْمٌ وَلِكُلِّ مِائَةٍ مِنْ الْخَيْلِ سَهْمَانِ وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالرِّجَالِ الرَّجَّالَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {: يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: ٢٧]. وَالْمُرَادُ بِالْخَيْلِ الْفُرْسَانُ يُقَالُ: غَارَتْ الْخَيْلُ قَالَ اللَّهُ {: وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِك وَرَجْلِكَ} [الإسراء: ٦٤]. أَيْ بِفُرْسَانِك وَرَجَّالَتِك فَهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا أَلْفًا وَسِتَّمِائَةٍ وَأَنَّهُ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا.
وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي الْقِسْمَةِ فَقَدْ «اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ مَعَ نَهْيِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه عَنْ الْقِمَارِ» فَدَلَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ لَيْسَ مِنْ الْقِمَارِ وَذُكِرَ عَنْ مَسْرُوقٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ عَنْ الْقَضَاءِ رِزْقًا فَفِيهِ دَلِيلُ أَنَّهُ مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَكَانَ صَاحِبَ يَسَارٍ فَالْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَحْتَسِبَ وَلَا يَأْخُذَ كِفَايَتَهُ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخَذَ جَازَ لَهُ وَبَيَانُهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ قَاضِي الْمُسْلِمِينَ أَجْرًا وَلَا الَّذِي عَلَى الْغَنَائِمِ وَلَا الَّذِي عَلَى الْمَقَاسِمِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْأَجْرِ فَالِاسْتِئْجَارُ عَلَى الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى الْقَضَاءِ، وَإِنْ شُرِطَ وَلَكِنَّ مُرَادَهُ الْكَفَالَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْمُسْتَحَبُّ لَهُ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ أَنْ لَا يَأْخُذَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: ٦] وَقَدْ بَيَّنَّا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيمَا أَمْلَيْنَاهُ مِنْ شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي وَاَلَّذِي عَلَى الْغَنَائِمِ يَحْفَظُهَا وَاَلَّذِي عَلَى الْمَقَاسِم مَنْ وُجِدَ كَالْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْقَاضِي فِي الْحُكْمِ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِئْجَارُهُ عَلَى ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ نَصِيبٌ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ إذَا كَانَ لَهُ نَصِيبٌ فِي ذَلِكَ فَاسْتِئْجَارُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الْعَمَلِ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الْقَاضِي عَلَى الْقَضَاءِ ذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَزَّارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَحْيَى كَانَ يَقْسِمُ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ الدُّورَ وَالْأَرْضِينَ وَيَأْخُذُ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْرَ وَقَدْ بَيَّنَّا فَوَائِدَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَدَبِ الْقَاضِي وَجَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ لِعَمَلِ الْقِسْمَةِ بِخِلَافِ عَمَلِ الْقَضَاءِ
وَعَنْ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الْيَمَنِ فَأَتَى بِرِكَازٍ مِنْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْخُمْسَ وَتَرَكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلْوَاجِدِ وَأَتَاهُ ثَلَاثَةٌ يَدَّعُونَ غُلَامًا كُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: ابْنِي فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ وَقَضَى بِالْغُلَامِ لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَجَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لِصَاحِبَيْهِ قَالَ الرَّاوِي فَقُلْت لِعَامِرٍ: هَلْ رُفِعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، أَمَّا حُكْمُ الْخُمْسِ فِي الرِّكَازِ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute