فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا حُكْمُ الْقُرْعَةِ فَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَسْتَدِلُّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُصِرِّ عَلَى الْقُرْعَةِ فِي دَعْوَى النَّسَبِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِذَلِكَ أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا كَانَ بَعْدَ حُرْمَةِ الْقِمَارِ أَمْ قَبْلَهُ، وَأَنَّهُ عَرَضَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَضِيَ بِهِ أَوْ لَمْ يَرْضَ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَعَلَّ الْقَضَاءَ لَهُ بِحُجَّةٍ أَقَامَهَا وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ الْقُرْعَةَ لِيُطَيِّبَ الْقُلُوبَ وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ فِي الْقَضَاءِ لِتَرْجِيحٍ فِي حُجَّتِهِ مِنْ يَدٍ أَوْ غَيْرِهِ
وَقَوْلُهُ: فَقَضَى لِلَّذِي خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ لَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ كَانَ بِالْقُرْعَةِ كَمَا يُقَالُ قَضَى الْقَاضِي لِصَاحِبِ الطَّيْلَسَانِ وَمَا ذُكِرَ فِي آخِرِهِ مِنْ أَنَّهُ جَعَلَ عَلَيْهِ الدِّيَةَ لِصَاحِبَيْهِ مُشْكِلٌ لَا يَتَّضِحُ فَالْحَيُّ الْحُرُّ لَا يَتَقَوَّمُ بِالدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْغُلَامُ مَمْلُوكًا لَهُمْ أَوْ مِنْ جَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمْ فَإِقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ ابْنُهُ يُوجِبُ حُرِّيَّةَ نَصِيبِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ فِي التَّضْمِينِ، وَكَذَلِكَ مَا أَشْكَلَ عَلَى السَّائِلِ حَيْثُ قَالَ: هَلْ رَفَعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ فَإِنَّ الدِّيَةَ اسْمٌ يَجْمَعُ بَدَلَ النَّفْسِ وَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ حِصَّةُ الَّذِي قَرَعَ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ بِحِصَّتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ كَأَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي الْعَبْدِ إذَا قَبِلَهُ إلَّا أَنَّ عَامِرًا لَمْ يُحَارَفْ أَلَمْ يَرُدَّ مَا سَمِعَ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَكَلَّفْ لِذَلِكَ لِعِلْمِهِ إنَّ هَذَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مَأْخُوذٍ بِهِ فَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ: خَاصَمْت أَخِي إلَى الشَّعْبِيِّ فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ أُرِيدُ قِسْمَتَهَا وَيَأْبَى ذَلِكَ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَتْ مِثْلَ هَذِهِ فَخَطَّ بِيَدِهِ مِقْدَارَ آجُرَّةٍ قَسَمْتُهَا بَيْنَكُمْ فَقَالَ: وَخَطَّهَا عَلَى أَرْبَعِ قِطَعٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُقَسِّم الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ الَّذِي طَلَبَ الْقِسْمَةَ مُتَظَلِّمٌ مِنْ صَاحِبِهِ أَنَّهُ يَشْفَعُ بِمِلْكِهِ وَلَا يُنْصِفُهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَاَلَّذِي يَتَعَنَّتُ وَإِنَّمَا يَبْنِي الْقَاضِي قَضَاءَهُ عَلَى الْتِمَاسِ الْمُتَظَلِّمِ الطَّالِبِ لِلْإِنْصَافِ دُونَ الْمُتَعَنِّتِ؛ وَلِهَذَا لَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا عِنْدَ طَلَبِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ هُنَا مُتَعَنِّتٌ؛ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِهِ وَبِالْقِسْمَةِ تَنْقَطِعُ عَنْهُ الْمَنْفَعَةُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فِي مِقْدَارِ آجَرَّةٍ خَطَّهَا عَلَى الْأَرْضِ قَسَمْتهَا بَيْنَكُمْ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ دُونَ التَّحْقِيقِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي دَارِ الَّذِي يَأْتِي الْقِسْمَةَ مِنْهُمَا فِيمَا يَحْتَمِلُ؛ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْآجُرَّةِ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَالْمَسْجِدُ لَا يَكُونُ كَمَفْحَصِ الْقَطَاةِ وَإِنَّمَا قَالَ: ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي بَيَانِ الْمِثْلِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
أُجْرَةُ الْقَسَّامِ إذَا اسْتَأْجَرَهُ الشُّرَكَاءُ لِلْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ لَا عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى مِقْدَارِ الْأَنْصِبَاءِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ قَاسِمُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute