تَحْوِيلَ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى تَحْوِيلِهِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَإِنْ سَقَطَ الْحَائِطُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ فَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ؛ لِمَا تَلِفَ بِهِ كَمَا لَوْ سَقَطَ إنْسَانٌ فِي بِئْرِهِ هَذَا.
وَإِذَا قَسَّمَ رَجُلَانِ دَارًا فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا حَيِّزًا وَالْآخَرُ حَيِّزًا فَوَقَعَ لِأَحَدِهِمَا حَائِطٌ لِلظَّاهِرِ مِنْهُ عَلَى آجُرَّتَيْنِ وَأُسُّهُ عَلَى أَرْبَعٍ وَقَدْ دَخَلَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ آجُرَّةٌ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَائِطِ أَنَا آخُذُ مِنْ نَصِيبِك مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أُسِّ حَائِطِي لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَهُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْحَائِطِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ بِالْقِسْمَةِ اسْتَحَقَّ الْحَائِطَ وَالْحَائِطُ اسْمٌ لِلْبِنَاءِ الْمُرْتَفِعِ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَأَمَّا الْأُسُّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ بِنَاءٌ مُرْتَفِعٌ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ فَهُوَ أَرْضٌ لَا حَائِطٌ وَالْأَرْضُ وَاقِعٌ فِي قِسْمِ الْآخَرِ فَلَوْ اسْتَحَقَّهُ صَاحِبُ الْحَائِطِ إنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ حَرِيمًا لِحَائِطِهِ وَلَيْسَ لِلْحَائِطِ حَرِيمٌ.
وَإِذَا قَسَّمَ الشَّرِيكَانِ دَارًا أَوْ دَارَيْنِ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ فِي ذَلِكَ شُفْعَةٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ لِصَاحِبِهِ وَالشَّرِيكُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ صَاحِبِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْجَارِ فِيهِ الشُّفْعَةُ، ثُمَّ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مَعْنَى التَّمْيِيزِ فِي الْقِسْمَةِ تَغْلِبُ عَلَى مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَالشُّفْعَةُ تَخْتَصُّ بِمُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ.
وَإِذَا اقْتَسَمَ الرَّجُلَانِ دَارًا وَرَفَعَا طَرِيقًا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ قِسْمَةَ الطَّرِيقِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ قِسْمَتُهُ تَسْتَقِيمُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ قَسَمْتُهُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَسْتَقِيمُ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا طَرِيقٌ لَمْ أَقْسِمْهُ، ثُمَّ؛ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ هُنَا مَعْنَى الضَّرَرِ وَالْمَقْصُودُ بِالْقِسْمَةِ تَوْفِيرُ الْمَنْفَعَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا تَفْوِيتُهَا.
وَإِذَا اصْطَلَحَ الرَّجُلَانِ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى إنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ مَنْزِلًا فِي دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ نِصْفَ دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى أَنْ أَجَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِهَامًا مَعْلُومَةً مِنْ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ أَوْ عَلَى أَنْ أَخَذَ أَحَدُهُمَا دَارًا وَالْآخَرُ عَبْدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الِاصْطِلَاحِ فِي الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُعَاوَضَةٌ تَجْرِي بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي وَلَا رِبًا فِي شَيْءٍ مِمَّا تَنَاوَلَهُ تَصَرُّفُهُ وَلَوْ اصْطَلَحَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا الْأَرْضَ كُلَّهَا وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ كُلَّهُ فَهُوَ جَائِزٌ لِلتَّرَاضِي فَإِنَّ الْأَرْضَ وَالْبِنَاءَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ مُبَادَلَةُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْأَرْضِ بِنَصِيبِ الْآخَرِ مِنْ الْبِنَاءِ صَحِيحٌ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ لَهُ يَنْقُضُهُ وَتَكُونُ الْأَرْضُ لِلْآخَرِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يُقْلِعَ بِنَاءَهُ فَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ لَا يَتَوَصَّلُ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ إلَى الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ إعَارَةٍ أَوْ إجَارَةٍ فَإِنَّ صَاحِبَ الْبِنَاءِ لَمَّا شَرَطَ تَرْكَ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ بِمُقَابَلَةِ هَذَا التَّرْكِ شَيْءٌ مِنْ الْعِوَضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute