وَتَكْبِيرُ الْقُنُوتِ وَالْفِقْهُ فِيمَا بَيَّنَّا مِنْ الْحَاجَةِ إلَى إعْلَامِ مَنْ خَلْفَهُ مِنْ أَصَمَّ أَوْ أَعْمًى وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» وَلَيْسَ فِيهَا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: لَا تُرْفَعُ الْيَدُ فِيهَا إلَّا عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ قَائِمَةٌ مَقَامَ رَكْعَةٍ فَكَمَا لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ كُلِّ رَكْعَةٍ فَكَذَلِكَ هَهُنَا
(قَالَ): وَإِذَا اُجْتُمِعَتْ الْجَنَائِزُ فَإِنْ شَاءُوا جَعَلُوهَا صَفًّا وَإِنْ شَاءُوا وَضَعُوا وَاحِدًا خَلْفَ وَاحِدٍ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: تُوضَعُ شَبَهَ الدَّرَجِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الثَّانِي عِنْدَ صَدْرِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ إنْ وُضِعَ هَكَذَا فَحَسَنٌ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ الْجَنَائِزُ أَمَامَ الْإِمَامِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كَيْفَ وَضَعُوا فَكَانَ الِاخْتِيَارُ إلَيْهِمْ
(قَالَ): وَإِنْ كَانَتْ رِجَالًا وَنِسَاءً يُوضَعُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ خَلْفَ الْإِمَامِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ، وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ عَلَى عَكْسِ هَذَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالْجَمَاعَةِ صَفُّ النِّسَاءِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ إلَى الْقِبْلَةِ فَكَذَلِكَ فِي وَضْعِ الْجَنَائِزِ وَلَكِنَّا نَقُولُ فِي الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ الرِّجَالُ أَقْرَبُ إلَى الْإِمَامِ مِنْ النِّسَاءِ فَكَذَلِكَ فِي وَضْعِ الْجَنَائِز وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَةَ غُلَامٍ وَامْرَأَةٍ وُضِعَ الْغُلَامُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - امْرَأَةَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنَهَا زَيْدَ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَاتَا مَعًا فَوَضَعَ ابْنُ عُمَرَ جِنَازَتَهُمَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَصَلَّى عَلَيْهِمَا وَلِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُقَدَّمُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ لِلْفَضِيلَةِ بِالذُّكُورَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْغُلَامِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ تُوضَعُ جِنَازَةُ الرَّجُلِ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَخَلْفَهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ جِنَازَةُ الْغُلَامِ وَخَلْفَهُ جِنَازَةُ الْخُنْثَى إنْ كَانَ وَخَلْفَهُ جِنَازَةُ الْمَرْأَةِ
(قَالَ): وَإِذَا وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْنِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ بِهِ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَالَ: احْفِرُوا وَأُوسِعُوا وَاجْعَلُوا فِي كُلِّ قَبْرٍ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَقُدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ» فَقُلْنَا: يُوضَعُ الرَّجُلُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ثُمَّ خَلْفَهُ الْغُلَامُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْجَنِينُ ثُمَّ خَلْفَهُ الْمَرْأَةُ وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ مَيِّتَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ التُّرَابِ لِيَصِيرَ فِي حُكْمِ قَبْرَيْنِ
(قَالَ): وَأَحْسَنُ مَوَاقِفِ الْإِمَامِ مِنْ الْمَيِّتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ وَإِنْ وَقَفَ فِي غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: يَقِفُ مِنْ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ الصَّدْرِ وَمِنْ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ أُمَّ بُرَيْدَةَ صَلَّى عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَسْطِهَا».
(وَلَنَا) أَنَّ أَشْرَفَ الْأَعْضَاءِ فِي الْبَدَنِ الصَّدْرُ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute