دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩] مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَدْعُو وَهَارُونُ كَانَ يُؤَمِّنُ.
وَالْإِخْفَاءُ فِي الدُّعَاءِ أَوْلَى قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «خَيْرُ الدُّعَاءِ الْخَفِيُّ وَخَيْرُ الرِّزْقِ مَا يَكْفِي»، وَفِي التَّأْمِينِ لُغَتَانِ أَمِينَ بِالْقَصْرِ وَآمِينَ بِالْمَدِّ وَالْمَدُّ يَدُلُّ عَلَى يَاءِ النِّدَاءِ مَعْنَاهُ يَا آمِينَ كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ أَزِيدُ يَعْنِي يَا زَيْدُ.
وَمَا كَانَ مِنْ النَّفْخِ غَيْرَ مَسْمُوعٍ فَهُوَ تَنَفُّسٌ لَا بُدَّ لِلْحَيِّ مِنْهُ، فَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا أَفْسَدَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَلَمْ يُفْسِدْهَا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْفِيفَ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ صَلَاتُهُ تَامَّةٌ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ، وَاسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ: «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ أُفّ أُفّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَنَّكَ لَا تُعَذِّبُهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ»، وَلِأَنَّ هَذَا تَنَفُّسٌ وَلَيْسَ بِكَلَامٍ فَالْكَلَامُ مَا يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ وَلَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ وَلِهَذَا قَالَ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إذَا أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ أَفَّفَ يُؤَفِّفُ تَأْفِيفًا كَانَ قَطْعًا، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ عَيْنُهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ فَلَوْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنَّمَا تَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَقَاسَهُ بِالتَّنَحْنُحِ وَالْعُطَاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَطْعًا، وَإِنْ سُمِعَ فِيهِ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ، وَهُوَ أَصْوَبُ.
(وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّ بِمَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ، وَهُوَ يَنْفُخُ التُّرَابَ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ»، وَلِأَنَّ قَوْلَهُ " أُفٍّ " مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَلَهُ مَعْنًى مَفْهُومٌ يُذْكَرُ لِمَقْصُودٍ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء: ٢٣] فَجَعَلَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْقَائِلُ يَقُولُ
أُفًّا وَتَفًّا لِمَنْ مَوَدَّتُهُ ... إنْ غِبْتُ عَنْهُ سُوَيْعَةً زَالَتْ
وَإِنْ مَالَتْ الرِّيحُ هَكَذَا وَكَذَا ... مَال مَعَ الرِّيحِ أَيْنَمَا مَالَتْ.
وَالْكَلَامُ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ التَّنَحْنُحِ، فَإِنَّهُ لِإِصْلَاحِ الْحَلْقِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ. وَالْعُطَاسُ مِمَّا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ فَكَانَ عَفْوًا بِخِلَافِ التَّأْفِيفِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ هِرٌّ وَنَحْوَهُ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ مُبَاحًا، ثُمَّ انْتَسَخَ.
وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ لِمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ»، وَسَأَلَ ثَوْبَانُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ: «فَقَالَ يَا ثَوْبَانُ أَوَلِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ أَوْ قَالَ أَوَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ».
(وَصِفَةُ) التَّوَشُّحِ أَنْ يَفْعَلَ بِالثَّوْبِ مَا يَفْعَلُهُ الْقَصَّارُ فِي الْمِقْصَرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute