إذَا لَفَّ الْكِرْبَاسَ عَلَى نَفْسِهِ، جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «إذَا كَانَ ثَوْبُكَ وَاسِعًا فَاتَّشِحْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاِتَّزِرْ بِهِ»، وَإِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ صَفِيقًا يَحْصُلُ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ، فَلَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَكَذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي قَمِيصٍ وَاحِدٍ.
(وَذَكَرَ) ابْنُ شُجَاعٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إنْ لَمْ يَزُرَّهُ يَنْظُرُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ مُلْتَحِفًا لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى عَوْرَتِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ لِحَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ»، وَسَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَرْسَلْتُكَ فِي حَاجَةٍ كُنْتَ مُنْطَلِقًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: لَا. فَقَالَ: اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَتَزَيَّنَ لَهُ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الصَّلَاةَ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ فِعْلُ أَهْلِ الْجَفَاءِ، وَفِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَبْعَدُ عَنْ الْجَفَاءِ، وَفِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ مِنْ أَخْلَاقِ الْكِرَامِ.
(وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ ثِيَابَهُ أَوْ يَكُفَّهَا أَوْ يَرْفَعَ شَعْرَهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ ثَوْبًا وَلَا شَعْرًا»: وَقَالَ «إذَا طَوَّلَ أَحَدُكُمْ شَعْرَهُ فَلْيَدَعْهُ يَسْجُدْ مَعَهُ»، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ أَجْرٌ بِكُلِّ شَعْرَةٍ، ثُمَّ كَفُّهُ الثَّوْبَ وَالشَّعْرَ لِكَيْ لَا يَتَتَرَّبَ نَوْعُ تَجَبُّرٍ وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي مَا هُوَ مِنْ أَخْلَاقِ الْجَبَابِرَةِ.
وَيَسْجُدُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَاظَبَ عَلَى هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِيهِ تَمَامُ السُّجُودِ، فَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ جَازَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ سَجَدَ عَلَى الْأَنْفِ دُونَ الْجَبْهَةِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيُكْرَهُ وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَهُوَ رِوَايَةُ أُسَيْدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. أَمَّا الشَّافِعِيُّ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يُمِسَّ أَنْفَهُ الْأَرْضَ فِي سُجُودِهِ كَمَا يُمِسُّ جَبْهَتَهُ، فَلَا سُجُودَ لَهُ»، وَالْمُرَادُ بِهَذَا عِنْدَنَا نَفْيُ الْكَمَالِ لَا نَفْيُ الْجَوَازِ.
وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَرِيضَةٌ وَعَلَى الْأَنْفِ تَطَوُّعٌ» فَإِذَا تَرَكَ مَا هُوَ الْفَرْضُ لَا يُجْزِئُهُ، ثُمَّ الْأَنْفُ تَبَعٌ لِلْجَبْهَةِ فِي السُّجُودِ كَمَا أَنَّ الْأُذُنَ تَبَعٌ لِلرَّأْسِ فِي الْمَسْحِ، وَلَوْ اكْتَفَى بِمَسْحِ الْأُذُنِ عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ لَا يُجْزِئُهُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ احْتَجَّ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: فَإِنَّ زَيْدَ بْنَ رُكَانَةَ كَانَ يُصَلِّي وَعَلَيْهِ بُرْنُسٌ فَكَانَ إذَا سَجَدَ سَقَطَ عَلَى جَبْهَتِهِ فَنَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute