للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا شَهْرًا وَهَذَا؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ عَنْ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمُؤَخِّرٍ، وَالْمُؤَخِّرُ يَنْعَدِمُ فِيمَا تَسْتَوِي فِيهِ الْأَوْقَاتُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ الشُّرُوعُ فِيهِ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى أَنَّ اللَّيْلَ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ يَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الصَّوْمِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعَزِيمَةٍ مِنْهُ وَرُبَّمَا لَا يَقْتَرِنُ ذَلِكَ بِالسَّبَبِ، فَأَمَّا دُخُولُ الْمَنْفَعَةِ فِي الْعَقْدِ لَا يَسْتَدْعِي مَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ سِوَى الْعَقْدِ فَمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْعَقْدِ يَكُونُ دَاخِلًا فِي الْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَقْدُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ فَلَهُ شَهْرٌ بِالْهِلَالِ تَمَّ أَوْ نَقَصَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَلَهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا لِأَنَّ الْأَهِلَّةَ أَصْلٌ فِي الشُّهُورِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَهِلَّةِ} [البقرة: ١٨٩] وَالْأَيَّامُ تَدُلُّ عَلَى الْأَهِلَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ إذَا تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهَا شَهْرًا حِينَ أَهَلَّ الْهِلَالُ فَاعْتِبَارُ الْأَصْلِ هُنَا مُمَكِّنٌ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْكُنَهَا إلَى أَنْ يُهِلَّ الْهِلَالُ مِنْ الشَّهْرِ الدَّاخِلِ وَإِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الشَّهْرِ فَقَدْ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُهُ بِالْأَهِلَّةِ فَيُعْتَبَرُ بِالْأَيَّامِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.

، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ طَالَتْ أَوْ قَصُرَتْ وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَجُوزُ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَجُوزُ أَبَدًا، وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِسَنَةٍ كَمَا فِي الْأَرَاضِيِ وَنَحْوِهَا وَفِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يَقُولُ: الْعَادَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ قَلَّ مَا يَسْكُنُ بِالْإِجَارَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً؛ فَإِنَّهُ يَتَّخِذُ الْمَسْكَنَ مِلْكًا إذَا كَانَ قَصْدُهُ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ يَقُولُ: الْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ الْقَائِمَةِ فَالْعَقْدُ عَلَى الْعَيْنِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ التَّوْقِيتِ، فَكَذَلِكَ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ إعْلَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَإِنَّهَا تَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانَتْ الْمُدَّةُ لِلْمَنْفَعَةِ، فَالْكَيْلُ وَالْوَزْنُ فِيمَا هُوَ مُقَدَّرٌ فَكَمَا لَا يَصِيرُ الْمِقْدَارُ هُنَا مَعْلُومًا إلَّا بِذِكْرِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ لَا يَصِيرُ الْمِقْدَارُ هُنَا مَعْلُومًا إلَّا بِذَكَرِ الْمُدَّةِ، وَبَعْدَ إعْلَامِ الْمُدَّةِ الْعَقْدُ جَائِزٌ قَلَّ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ أَوْ كَثُرَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ قَوْله تَعَالَى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْت عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: ٢٧] وَلِأَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ تَصْلُحُ أَجَلًا لِلْبَيْعِ فَإِنَّهَا تَصْلُحُ مَشْرُوطَةً فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ كَالسَّنَةِ وَمَا دُونَهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الشَّرْطَ الْإِعْلَامُ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ.

فَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>