للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِدُخُولِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي ضَمَانِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الِانْهِدَامُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ إلَّا بَيْتًا كَانَ مَشْغُولًا بِمَتَاعِ الْمُؤَاجِرِ رَفَعَ مِنْهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى، وَكَذَلِكَ لَوْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ كُلَّهَا، ثُمَّ انْتَزَعَ مِنْهَا بَيْتًا؛ لِأَنَّهُ زَالَ تَمَكُّنُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَنْفَعَةِ السُّكْنَى فِي الْبَيْتِ حِينَ اُنْتُزِعَ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيْهِ فِي الِابْتِدَاءِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ انْتَزَعَ الْكُلَّ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْأَجْرُ فَالْجُزْءُ مُعْتَبَرٌ بِالْكُلِّ، وَلَوْ غَصَبَ الدَّارَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْنَبِيُّ سَقَطَ عَنْهُ الْأَجْرُ فِي مُدَّةِ الْغَصْبِ لِزَوَالِ تَمَكُّنِ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.

وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ الدَّارِ بِالْمَوْصُوفِ مِنْ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ شَرَطَ لَهُ أَجَلًا أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ نَوْعُ بَيْعٍ فَمَا يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ يَصْلُحُ فِي الْإِجَارَةِ، وَالْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ يَصْلُحُ بَدَلًا فِي الْبَيْعِ مَوْصُوفًا حَالًّا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا وَالثِّيَابُ لَا تَصْلُحُ مَوْصُوفَةً إلَّا مُؤَجَّلَةً وَالْحَيَوَانُ لَا يَصْلُحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، فَكَذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ وَهَذَا عَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُ: الْمَنْفَعَةُ مَالٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَ الْعَيْنِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عِوَضًا عَمَّا هُوَ مَالٌ وَعَلَى الطَّرِيقِ الَّذِي يَقُولُ: لَيْسَ بِمَالٍ فَالْحَيَوَانُ إنَّمَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ فِي الْعُقُودِ الْمُبَيَّنَةِ عَلَى التَّوَسُّعِ فِي الْبَدَلِ، وَهُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ فِي الْأَصْلِ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ، فَأَمَّا الْإِجَارَةُ مُبَيَّنَةٌ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْبَدَلِ مَشْرُوعَةٌ لِتَحْصِيلِ الْمَالِ كَالْبَيْعِ وَالْحَيَوَانُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ يَكُونُ مَجْهُولَ مِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ؛ فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الْإِجَارَةِ.

وَإِنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَعْتَقَهُ رَبُّ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأُجْرَةَ إذَا كَانَتْ عَيْنًا لَا تُمَلَّكُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَعِتْقُ الْإِنْسَانِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ وَلَمْ يَقْبِضْ الدَّارَ حَتَّى أَعْتَقَهُ رَبُّ الدَّارِ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ تُمْلَكُ بِالتَّعْجِيلِ فَإِنْ قَبَضَ الدَّارَ وَتَمَّتْ السُّكْنَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ انْفَسَخَ الْعَقْدُ بِاسْتِحْقَاقِ الدَّارِ أَوْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا أَوْ غَرَقِ الدَّارِ أَوْ انْعَدَمَ التَّمَكُّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْهَدْمِ فَعَلَى الْمُعْتِقِ قِيمَةُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا انْفَسَخَ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَبْدِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَبْدِ لِنُفُوذِ الْعِتْقِ فِيهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ لَا يَبْطُلُ بِمَا حَدَثَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ سُلِّطَ عَلَيْهِ وَمَلَّكَهُ إيَّاهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ فَنَفَذَ عِتْقُهُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ مَا نَفَذَ لَا يُمْكِنُ نَقْضُهُ، وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْعَبْدَ حَتَّى سَكَنَ الدَّارَ شَهْرًا، ثُمَّ أَعْتَقَا جَمِيعًا الْعَبْدَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِتْقُ رَبِّ الدَّارِ بِقَدْرِ أَجْرِ الشَّهْرِ، وَيَجُوزُ عِتْقُ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ مَلَكَ مِنْهُ حِصَّةَ مَا اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرِكًا

<<  <  ج: ص:  >  >>