بَيْنَهُمَا فَإِذَا أَعْتَقَاهُ عَتَقَ، وَتُنْتَقَضُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا بِاعْتِبَارِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ وَقَدْ فَاتَ بِالْعَقْدِ فَهُوَ كَمَا لَوْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَّا أَنَّ فِي الْمَوْتِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ بِقَدْرِ مَا سَكَنَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ انْتَقَضَ بِهَلَاكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَبَقِيَتْ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مُسْتَوْفَاةً بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا وَهُوَ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَفِيمَا أَعْتَقَاهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ صَارَ قَابِضًا؛ لِمَا يَخُصُّ الْمُسْتَوْفِيَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْعَبْدِ، وَلَوْ اسْتَكْمَلَ السُّكْنَى، ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ أَوْ اسْتَحَقَّ كَانَ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهَا؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ دَفَعَ الْعَبْدَ وَلَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ حَتَّى أَعْتَقَهُ فَعِتْقُهُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ خَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ بِالتَّسْلِيمِ إلَى رَبِّ الدَّارِ فَإِنَّمَا أَعْتَقَ مَالًا يَمْلِكُهُ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً فَسَكَنَهَا، ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَالْأَجْرُ لَلْمُؤَاجَرِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ غَاصِبًا وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْغَصْبِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَجَّرَ الْمَغْصُوبَ فَالْأَجْرُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ وَهُوَ الَّذِي ضَمِنَ تَسْلِيمَ الْمَعْقُودِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ لَا يَتَصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ، وَمِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ مَنْ اسْتَرْبَحَ عَلَى ضَمَانِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ كَمَا فِي الْمُودَعِ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ انْهَدَمَتْ مِنْ السُّكْنَى ضَمِنَ السَّاكِنُ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَقَدْ كَانَ ضَمِنَ سَلَامَةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَنْ عَيْبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ رَجَعَ كَمَا يَغْرَمُ بِسَبَبِهِ.
وَلَوْ أَجَرَ دَارِهِ مِنْ رَجُلٍ فَامِيٍّ سَنَةً بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ مِنْ رَبِّ الدَّارِ شَهْرَيْنِ فَأَمَرَ الْفَامِيَّ أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ فَكَانَ الرَّجُلُ يَشْتَرِي بِهِ مِنْ الْفَامِيِّ الدَّقِيقَ وَالزَّيْتَ وَغَيْرَهُ حَتَّى اسْتَوْفَى أَجْرَ الشَّهْرَيْنِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَهُوَ بِنَفْسِهِ لَوْ عَامَلَ الْفَامِيَّ بِذَلِكَ يَجُوزُ، وَلَيْسَ لِلْفَامِيِّ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ رَبِّ الدَّارِ فَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ كَتَسْلِيمِهِ إلَى رَبِّ، الدَّارِ وَلَكِنَّهُ قَرْضٌ لِرَبِّ الدَّارِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ أَقْرَضَهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَ دِينَارًا فِيمَا أَخَذَ وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ فِي الْمُصَارَفَةِ فِي الْأَجْرِ مَعَ رَبِّ الْبَيْتِ فَكَذَلِكَ مَعَ مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَهُوَ الْمُسْتَقْرِضُ، وَلَوْ كَانَ لِلْفَامِيِّ عَلَى الرَّجُلِ دِينَارٌ أَوْ أَجْرُ الْبَيْتِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَمَضَى شَهْرَانِ، ثُمَّ أَمَرَ رَبُّ الدَّارِ الْفَامِيَّ أَنْ يَدْفَعَ أَجْرَ الشَّهْرَيْنِ إلَى الْمُسْتَقْرِضِ وَقَاصَّهُ بِالدِّينَارِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ، وَأَخَذَ بِالْفَضْلِ شَيْئًا فَهُوَ جَائِزٌ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ فَعَلَهُ رَبُّ الْبَيْتِ فَإِنَّ أَجْرَ الشَّهْرَيْنِ قَدْ وَجَبَ وَالْمُقَاصَّةُ بِالدِّينَارِ بَعْدَ وُجُوبِهَا تَجُوزُ بِالتَّرَاضِي وَلَيْسَ هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute