فِي ثَمَنِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ يَقُولُ: كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ إذَا بَاعَهُ مِنْهُ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُ بِذِمَّتِهِ وَإِذَا بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ مَا لَمْ يَسْتَوْفِ وَلَا يَدْرِي مَتَى يَسْتَوْفِي فَإِنَّمَا يَبِيعُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَقَدْ شَرَطَ لِلتَّسْلِيمِ أَجَلًا مَجْهُولًا وَهُوَ إلَى أَنْ يَخْرُجَ، وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتًا بِثَوْبٍ فَأَجَرَهُ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّوْبِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ لِأَنَّ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ، وَالْعَقْدُ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فِيهِ حَتَّى لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَأَجَرَهُ بِدِينَارَيْنِ طَابَ لَهُ الْفَضْلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَضْلُ بَيْنَ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُبَادَلَةَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِدِينَارَيْنِ تَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا الْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ فَفِي عَقْدَيْنِ أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ أَجْرُ الدَّارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ مَوْصُوفَةٍ وَأَشْهَدَ الْمُؤَاجِرُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ نَبَهْرَجَةٌ وَأَنَّ الطَّعَامَ مَعِيبٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ فَإِنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ يُعْرَفُ بِالصِّفَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَةِ وَلَا مُنَاقَضَةَ فِي كَلَامِهِ فَاسْمُ الدَّرَاهِمِ يَتَنَاوَلُ النَّبَهْرَجَةَ وَاسْمُ الْحِنْطَةِ يَتَنَاوَلُ الْمَعِيبَ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أَشْهَدَ قَالَ: قَدْ قَبَضْت مِنْ أَجْرِ الدَّارِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ قَفِيزَ حِنْطَةٍ لَمْ يُصَدَّقْ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ادِّعَاءِ الْعَيْبِ وَالزَّيْفِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: اسْتَوْفَيْت أَجْرَ الدَّارِ، ثُمَّ قَالَ: وَجَدْتُهُ زُيُوفًا لَمْ يُصَدَّقْ بِبَيِّنَةٍ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِقَبْضِ الْجِيَادِ فَإِنَّ أَجْرَ الدَّارِ مِنْ الْجِيَادِ فَيَكُونُ هُوَ مُنَاقِضًا فِي قَوْلِهِ وَجَدْتُهُ زُيُوفًا وَالْمُنَاقِضُ لَا قَوْلَ لَهُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ كَانَ الْأَجْرُ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ فَقَبَضَهُ، ثُمَّ جَاءَ يَرُدُّهُ بِعَيْبٍ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَيْسَ هَذَا ثَوْبِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ قَبَضَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ ادَّعَى الْآخَرُ لِنَفْسِهِ حَقَّ الرَّدِّ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُنْكِرٌ لِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَإِنْ أَقَامَ رَبُّ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَيْبِ رَدَّهُ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا عَلَى قِيَاسِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ السُّكْنَى وَهُوَ أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا فَسَدَ لَزِمَهُ رَدُّ الْمُسْتَوْفَى مِنْ السُّكْنَى وَرَدُّ السَّكَنِ بِرَدِّ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّهُ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّدِّ يَكُونُ مِنْ الْبَدَلِ كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الدَّارِ وَفِيهَا تُرَابٌ وَرَمَادٌ مِنْ كُنَاسَةٍ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ الَّذِي شَغَلَ مِلْكَ الْغَيْرِ بِهِ فَعَلَيْهِ تَفْرِيغُهُ إذَا خَرَجَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute