للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّارِ وَلَكِنْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَأَمَّا الْبَالُوعَةُ وَمَا أَشْبَهَهَا فَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ تَنْظِيفُهَا اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ هَذَا كَالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ بِفِعْلِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِلِاسْتِحْسَانِ وَجْهَانِ.

(أَحَدُهُمَا) الْعُرْفُ فَإِنَّ النَّاس لَمْ يَتَعَارَفُوا تَكْلِيفَ الْمُسْتَأْجِرِ تَنْظِيفَ الْبَالُوعَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَنْزِلِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْعُرْفَ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِجَارَةِ.

(وَالثَّانِي) أَنَّ الْبَالُوعَةَ مَطْوِيَّةٌ فَتَحْتَاجُ لِلتَّنْظِيفِ وَإِلَى الْحَفْرِ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا مَا كَانَ ظَاهِرًا فَهُوَ لَا يَحْتَاجُ فِي التَّفْرِيغِ إلَى نَقْضِ بِنَاءٍ وَحَفْرٍ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التُّرَابِ الظَّاهِرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا وَهُوَ فِيهَا؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقًّا قَبْلَهُ وَهُوَ تَفْرِيغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَيَدَّعِي إحْدَاثَ شَغْلِ مِلْكِهِ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ، فَأَمَّا مَسِيلُ مَاءِ الْحَمَّامِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ مُسْقَفًا فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ كَنْسُهُ إذَا امْتَلَأَ هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَلِأَنَّهُ ظَاهِرٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يُسْقَفُ لِكَيْ لَا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْلَأُ لِيُتْرَكَ بَلْ لِيُفَرَّغَ إذَا امْتَلَأَ وَكَانَ التَّفْرِيغُ عَلَى مَنْ مَلَأَهُ بِخِلَافِ الْبَالُوعَةِ فَقَضَاءُ الْحَاجَةِ فِي بِئْرِ الْبَالُوعَةِ لَا يَكُونُ لِقَصْدِ النَّقْلِ وَالتَّفْرِيغِ بَلْ يُتْرَكُ ذَلِكَ عَادَةً؛ فَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ.

وَلَوْ اشْتَرَطَ رَبُّ الدَّارِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ حِينَ أَجَرَهُ إخْرَاجَ مَا أَحْدَثَهُ فِيهَا مِنْ تُرَابٍ أَوْ سِرْجِينٍ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِدُونِ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ لَا يَزِيدُهُ إلَّا وَكَادَةً. .

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ فَامِيٌّ مِنْ رَجُلٍ بَيْتًا فَبَاعَ فِيهِ زَمَانًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ وَاخْتَلَفَا فِيمَا فِيهِ مِنْ الْأَوَانِي وَالرُّفُوفِ وَالتَّحَاتِحِ الَّتِي قَدْ بَنَى عَلَيْهِ الْبِنَاءَ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَا أَحَدَثْتهَا وَقَالَ رَبُّ الْبَيْتِ كَانَتْ فِيهِ حِينَ أَجَّرْتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَهُوَ الَّذِي يَتَّخِذُ ذَلِكَ عَادَةً لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ فَرَبُّ الْبَيْتِ مُسْتَغْنٍ عَنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ يَبْنِي الْبَيْتَ لِيُؤَاجِرَهُ مِمَّنْ يَسْتَأْجِرُ مِنْهُ، ثُمَّ كُلُّ عَامِلٍ يَتَّخِذُ فِيهِ مَا يَكُونُ مِنْ أَدَاةِ عَمَلِهِ، وَعِنْدَ الْمُنَازَعَةِ الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْبَيْتِ وَفِي الْمَوْضُوعِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ كَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَكَذَلِكَ الطَّحَّانُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَتَاعِ الرَّحَى وَمَا تَحْتَهَا مِنْ بِنَائِهَا وَخَشَبِهَا الَّتِي فِيهَا وَأُسْطُوَانَاتهَا فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلطَّحَّانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَدَاءِ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَصَّابُ وَالْقَلَّاءُ وَالْحَدَّادُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْأَوْعِيَةِ وَالْأَدَاةِ الَّتِي تَكُونُ لِلصَّانِعِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَطْبُخَ فِيهَا الْآجُرَّ وَالْفَخَّارَ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْأَتُّونِ الَّتِي يَطْبُخُ فِيهَا الْآجُرَّ فَفِي الْقِيَاسِ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ بِنَاءٌ كَسَائِرِ الْأَبْنِيَةِ وَفِي الْبِنَاءِ الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْأَرْضِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِأَرْضِهِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْت الْمُسْتَأْجِرَ هُوَ الَّذِي بَنَى وَإِنَّمَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى مَا يَعْرِفُ عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>