للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ سَوَاءٌ عِنْدَهُ فِي إفْسَادِ الْإِجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - جَائِزٌ وَيَتَهَايَآنِ فِيهِ، وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ فَتَلْزَمُ فِي الْمَشَاعِ كَالْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْإِجَارَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِلْجُزْءِ الشَّائِعِ مَنْفَعَةٌ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ مِنْ شَرِيكِهِ يَجُوزُ الْعَقْدُ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلَوْ أَجَّرَ مِنْ رَجُلَيْنِ تَجُوزُ الْعُقُودُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِينَ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ النِّصْفِ شَائِعًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ أَعَارَ نِصْفَ دَارِهِ مِنْ إنْسَانٍ جَازَ ذَلِكَ وَتَأْثِيرُ الشُّيُوعِ فِي الْمَنْعِ مِنْ عَقْدِ التَّبَرُّعِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ كَمَا فِي الْهِبَةِ مَعَ الْبَيْعِ فَإِذَا جَازَ تَمْلِيكُ مَنْفَعَةِ نِصْفِ الدَّارِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فَبِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: الْتَزَمَ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ تَسْلِيمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْآبِقَ أَوْ أَجَرَهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ يَرِدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَتَسْلِيمُ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ النِّصْفِ شَائِعًا إنَّمَا يَتَحَقَّقُ مِنْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ؛ فَإِنَّهُمَا إنْ تَهَايَآ عَلَى الْمَكَانِ فَإِنَّمَا يَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاحِيَةً بِعَيْنِهَا، وَإِنْ تَهَايَآ عَلَى الزَّمَانِ فَإِنَّمَا يَسْكُنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمِيعَ الدَّارِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجُزْءِ الشَّائِعِ لَا يَتَحَقَّقُ فَكَانَ بِإِضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ مُلْتَزِمًا تَسْلِيمَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَيُحْكَى عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إذَا أَجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِذَا أَجَرَ الْمَالِكُ نِصْفَ أَرْضِهِ لَا يَصِحُّ وَكَانَ يُفَرِّقُ فَيَقُولُ: يَحْتَاجَانِ إلَى الْمُهَايَأَةِ، فَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إلَى يَدِ الْأَجِيرِ جَمِيعُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ إذَا تَهَايَآ عَلَى الزَّمَانِ أَوْ بَعْضُ الْمُسْتَأْجَرِ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ إذَا تَهَايَآ عَلَى الْمَكَانِ وَعَوْدُ الْمُسْتَأْجَرِ إلَى يَدِ الْأَجِيرِ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ بِحُكْمِ الْإِجَارَةِ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْأَجِيرِ أَوْ أَجَرَهُ مِنْهُ فَاسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ بِسَبَبٍ يَقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ يُبْطِلُ الْإِجَارَةَ

فَأَمَّا إذَا أَجَرَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُهَايَأَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالشَّرِيكِ فَلَا يَعُودُ الْمُسْتَأْجَرُ إلَى يَدِ الْأَجِيرِ وَإِنَّمَا يَعُودُ إلَى يَدِ أَجْنَبِيٍّ وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا لَوْ أَعَارَهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ أَجَّرَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَهُ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ؛ لِمَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْمُهَايَأَةِ وَالْمُهَايَأَةُ عَقْدٌ آخَرُ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَبِدُونِهِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ عَلَى قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ الْعَقْدِ، فَإِنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ مَعَ الْفَسَادِ اسْتَوْجَبَ أَجْرَ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ التَّسْلِيمِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَلَا يَمْنَعُ انْعِقَادَهُ كَمَا فِي بَيْعِ الْآبِقِ فَإِذَا اسْتَوْفَى فَقَدْ تَحَقَّقَ الِاسْتِيفَاءُ بَعْدَ انْعِقَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>