الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِإِنْكَارِهِ وُجُوبَ الضَّمَانِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ زَادَ عَلَى الشَّهْرِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِيمَا زَادَ فَيَسْتَوِي فِيهِ قَلِيلُ الْمُدَّةِ وَكَثِيرُهَا.
وَإِذَا أَجَّرَ الْبَيْتَ مِنْ رَجُلٍ وَسَلَّمَ إلَيْهِ الْمِفْتَاحَ فَلَمَّا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى فَتْحِهِ وَلَمْ أَسْكُنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَتُهُ أَيْضًا، أَمَّا جَعْلُ الْقَوْلِ قَوْلَهُ لِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ فَالْمِفْتَاحُ مَا اُتُّخِذَ إلَّا لِفَتْحِ الْبَابِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْمِفْتَاحُ يَتَمَكَّنُ مِنْ فَتْحِ الْبَابِ إمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُعِينُهُ وَأَمَّا تَرْجِيحُ بَيِّنَتِهِ؛ فَلِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْأَجْرَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِإِثْبَاتِهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالْمُسْتَأْجِرُ يَنْفِي ذَلِكَ.
وَإِذَا تَكَارَى دَارًا شَهْرًا فَأَقَامَ مَعَهُ صَاحِبُ الدَّارِ فِيهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ لَا أُعْطِيكَ الْأَجْرَ لِأَنَّكَ لَمْ تَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ الدَّارِ (قَالَ:) عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا كَانَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْمَنْزِلِ الَّذِي فِي يَدِهِ فَلْيَلْزَمْهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِهِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ.
رَجُلَانِ اسْتَأْجَرَا حَانُوتًا يَعْمَلَانِ فِيهِ بِأَنْفُسِهِمَا فَعَمَدَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَأْجَرَ خَفِيرًا فَأَقْعَدَهُ فِي الْحَانُوتِ وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَدَعَهُ.
(قَالَ:) لَهُ أَنْ يُقْعِدَ فِي نَصِيبِهِ مَنْ شَاءَ مَا لَمْ يُدْخِلْ عَلَى شَرِيكِهِ فِي نِصْفِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِلْكُ مَنْفَعَةِ النِّصْفِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا يَمْلِكُهُ كَيْفَ شَاءَ إلَّا أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ ضَرَرًا عَلَى شَرِيكِهِ فَحِينَئِذٍ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُتَعَدٍّ إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مَتَاعًا مِنْ الْآخَرِ، وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يَبْنِيَ وَسَطَ الْحَانُوتِ حَائِطًا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبِنَاءَ تَصَرُّفٌ فِي الْعَيْنِ فَإِنَّ مَا يَمْلِكُ مَالِكُ الرَّقَبَةِ وَهُمَا يَمْلِكَانِ الْمَنْفَعَةَ دُونَ الرَّقَبَةِ، فَإِنْ تَكَارَى بَيْتًا وَدُكَّانًا عَلَى بَابِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ وَالدُّكَّانُ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَتَرَفَّقَ بِالدُّكَّانِ فَالْكِرَاءُ جَائِزٌ فِي الدَّارِ وَيَرْفَعُ عَنْهُ بِحِسَابِ الدُّكَّانِ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْعَقْدَ فِيهِمَا إلَى مَحِلِّهِ وَهُوَ عَيْنٌ مُنْتَفِعٌ بِهِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ إنْسَانٌ حَتَّى اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُمَا سَنَةً كَانَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ كَامِلًا فَأُحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرَفُّقِ بِالدُّكَّانِ فَيُرْفَعُ عَنْهُ بِحِسَابِهِ مِنْ الْأَجْرِ كَمَا كَانَا بَيْتَيْنِ فَغَصَبَ أَحَدَهُمَا غَاصِبٌ.
رَجُلَانِ اسْتَأْجَرَا مَنْزِلًا وَاشْتَرَطَا فِيمَا بَيْنَهُمَا أَنْ يَنْزِلَ أَحَدُهُمَا فِي أَقْصَاهُ وَالْآخَرُ فِي مُقَدِّمِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطَا ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِجَارَةِ فَالْإِجَارَةُ جَائِرَةٌ وَلِصَاحِبِ الْأَقْصَى أَنْ يَنْزِلَ فِي مُقَدِّمِهِ مَعَ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا بَعْدَمَا مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ بِالْإِجَارَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُهَايَأَةِ وَالْمُهَايَأَةُ لَا تَكُونُ وَاجِبَةً فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالِانْتِفَاعِ بِالْمُقَدَّمِ مِنْ الْآخَرِ وَإِذَا تَكَارَى دَارًا لِيَنْزِلَهَا بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ فَلَمْ يَنْزِلْهَا وَلَكِنْ أَنْزَلَ فِيهَا دَوَابَّ وَبَقَرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute