فِيهِ بِالْقِيَاسِ وَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى مَنْزِلِهِ مِنْ الْمَسَافَةِ مِثْلُ مَا سَمَّى أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَى سَبِيلِ الْوِرَامِ مِثْلَ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ أَوْ فَوْقَهُ فَيُقَالُ لَهُ كَمَا اكْتَرَيْت مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَمَّيْت فَاكْتَرِ الدَّابَّةَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إلَى مَنْزِلِكَ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا فَإِنْ اخْتَصَمُوا رَدَدْت الْإِجَارَةَ لِجَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا أَوْ رَكِبَهَا إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الِانْتِهَاءِ كَالتَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي الثَّوْبِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا وَلَمْ يُسَمِّ مَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ.
وَإِذَا سَمَّى مَا يَحْمِلُ عَلَى الدَّابَّةِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ فَالْإِجَارَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ قِيَاسُ الْعَارِيَّةِ إلَّا أَنَّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا فَالْأَجْرُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ هُنَا وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا فَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ غَيْرُ مُسْتَوْفٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَحْمُولِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَقَالَ رَبُّ الدَّابَّةِ أَكْرَيْتُكَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْقَصْرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ بَلْ إلَى بَغْدَادَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَرْكَبْهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِي احْتِمَالِ الْفَسْخِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ فَالنَّصُّ الْوَارِدُ بِالتَّحَالُفِ فِي الْبَيْعِ يَكُونُ وَارِدًا فِي الْإِجَارَةِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقْضِي بِالْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ إلَى بَغْدَادَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّ رَبَّ الدَّابَّةِ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ الْعَقْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْقَصْرِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ بِبَيِّنَتِهِ وَالْمُسْتَأْجِرَ بِبَيِّنَتِهِ أَثْبَتَ الْعَقْدَ مِنْ الْقَصْرِ إلَى بَغْدَادَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ فَوَجَبَ قَبُولُ بَيِّنَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا عَمِلْنَا بِالْبَيِّنَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى بَغْدَادَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرَ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى مِقْدَارِ الْأَجْرِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَالْمُسْتَأْجِرُ يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ فِي ذَلِكَ فَكَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْلَى بِالْقَبُولِ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْمُسْتَأْجِرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ زَادَهُ عَقِبَهُ الْأَجِيرُ فِي الْكِرَاءِ إلَى مَكَّةَ.
وَإِنْ تَكَارَى دَابَّةً بِسَرْجٍ لِيَرْكَبَ عَلَيْهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا إكَافًا فَرَكِبَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ هُوَ ضَامِنٌ جَمِيعَ قِيمَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ بِقَدْرِ مَا زَادَ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْحِمَارَ يُرْكَبُ تَارَةً بِسَرْجٍ وَتَارَةً بِإِكَافٍ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الثِّقَلُ وَالْخِفَّةُ مَا كَانَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَادَةً وَفِي مِثْلِهِ الضَّمَانُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ مَخْتُومًا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute