للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: الِاخْتِلَافُ هُنَا فِي الْجِنْسِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِكَافَ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الْحِمَارِ الْمَوْضِعَ الَّذِي لَا يَأْخُذُهُ السَّرْجُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا تِبْنًا أَوْ حَطَبًا تَوْضِيحُهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ وَلَكِنْ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ الَّذِي لَا يَأْلَفُ الْإِكَافَ يَضُرُّهُ الرُّكُوبُ بِإِكَافٍ وَرُبَّمَا يَجْرَحُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُخَالِفًا فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِ الْحِنْطَةِ حَدِيدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ نَزَغَ عَنْ الْحِمَارِ سَرْجَهُ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجِ بِرْذَوْنٍ لَا تُسْرَجُ بِمِثْلِهِ الْحَمِيرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِكَافِ، وَإِنْ أَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ مِثْلِهِ أَوْ أَخَفَّ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهُ بِإِكَافٍ فَأَوْكَفَهُ بِإِكَافٍ مِثْلِهِ أَوْ أَسْرَجَهُ مَكَانَ الْإِكَافِ؛ لِأَنَّ السَّرْجَ أَخَفُّ عَلَى الْحِمَارِ مِنْ الْإِكَافِ فَلَا يَكُونُ خِلَافًا مِنْهُ.

وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا عُرْيَانًا فَأَسْرَجَهُ، ثُمَّ رَكِبَهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ عَلَيْهِ السَّرْجَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ فَكَانَ مُخَالِفًا فِي ذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهَذَا عَلَى أَوْجُهٍ فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمْ يَضْمَنْ إذَا أَسْرَجَهُ؛ لِأَنَّ الْحِمَارَ لَا يُرْكَبُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ عَادَةً إلَّا بِسَرْجٍ أَوْ إكَافٍ وَالثَّابِتُ بِالْعُرْفِ كَالثَّابِتِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَرْكَبَهُ فِي الْمِصْرِ فَإِنْ كَانَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ لَا يُرْكَبُ فِي الْمِصْرِ عُرْيَانَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوَامّ الَّذِينَ يَرْكَبُونَ الْحِمَارَ فِي الْمِصْرِ عُرْيَانَا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ ضَامِنًا إذَا أَسْرَجَهُ بِغَيْرِ شَرْطٍ.

وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا إلَى مَكَان مَعْلُومٍ فَجَاوَزَ بِهَا ذَلِكَ الْمَكَانَ، ثُمَّ رَجَعَ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: هُوَ ضَامِنٌ مَا لَمْ يَدْفَعْهَا إلَى صَاحِبِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجْهُ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ كَانَ أَمِينًا فِيهَا فَإِذَا ضَمِنَ بِالْخِلَافِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ عَادَ أَمِينًا كَالْمُودَعِ وَجْهُ قَوْلِهِ الْآخَرِ أَنَّهُ بَعْدَ مَا صَارَ ضَامِنًا بِالْخِلَافِ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ عَلَى مَنْ قَامَتْ يَدُهُ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ وَيَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يُمْسِكُهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَا تَكُونُ يَدُهُ قَائِمَةً مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ فَلَا تَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ، وَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا لِنَفْسِهِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ فَهُنَاكَ يَدُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ يَدِ الْمَالِكِ وَقَدْ طَعَنَ عِيسَى - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي هَذَا فَقَالَ: يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ كَيَدِ الْمَالِكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمَالِكِ كَالْمُودَعِ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَبِدَلِيلِ أَنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ فِي الْإِجَارَةِ دُونَ الْعَارِيَّةِ وَلَكِنَّا نَقُولُ: رُجُوعُهُ بِالضَّمَانِ لِلْغَرَرِ الْمُتَمَكِّنِ بِسَبَبِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ بِيَدِ نَفْسِهِ كَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِضَمَانِ الْغُرُورِ، فَكَذَلِكَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَيْهِ لِمَا لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِي النَّقْلِ

فَأَمَّا يَدُ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ نَفْسِهِ وَالْإِشْكَالُ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اسْتَأْجَرَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>