ثَوْبَ صِيَانَةٍ لِتَلْبَسَهُ أَيَّامًا فَلَبِسَتْهُ بِاللَّيْلِ كَانَتْ ضَامِنَةً، ثُمَّ إذَا جَاءَ النَّهَارُ بَرِئَتْ مِنْ الضَّمَانِ وَيَدُهَا يَدُ نَفْسِهَا وَلَكِنَّا نَقُولُ هُنَاكَ الضَّمَانُ عَلَيْهَا بِاللُّبْسِ لَا بِالْإِمْسَاكِ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ الْإِمْسَاكِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَاللُّبْسُ الَّذِي لَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَقْدُ لَمْ يَبْقَ إذَا جَاءَ النَّهَارُ وَهُنَا الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِالْإِمْسَاكِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ بِهَا ذَلِكَ الْمَكَانَ وَلَمْ يَرْكَبْهَا كَانَ ضَامِنًا وَلَوْ حَبَسَهَا فِي الْمِصْرِ أَيَّامًا وَلَمْ يَرْكَبْهَا كَانَ ضَامِنًا وَالْإِمْسَاكُ لَا يَنْعَدِمُ، وَإِنْ عَادَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مَا دَامَ يُمْسِكُهَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، ثُمَّ الْكَلَامُ فِي التَّفْصِيلِ بَيْنَمَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا أَوْ ذَاهِبًا لَا جَائِيًا قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَارِيَّةِ فَهُوَ مِثْلُهُ فِي الْإِجَارَةِ وَلَوْ لَمْ يُجَاوِزْ الْمَكَانَ وَلَكِنَّهُ ضَرَبَهَا فِي السَّيْرِ أَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُهَا فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يُسْتَحْسَنُ أَنْ لَا يُضَمِّنَهُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ فِي ذَلِكَ وَضَرَبَ كَمَا يَضْرِبُ النَّاسُ الْحِمَارَ فِي مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَسْتَفِيدُ الْإِذْنَ فِيمَا هُوَ مُعْتَادٌ وَالضَّرْبُ وَالْكَبْحُ بِاللِّجَامِ فِي السَّيْرِ مُعْتَادٌ وَرُبَّمَا لَا تَنْقَادُ الدَّابَّةُ إلَّا بِهِ فَيَكُونُ الْإِذْنُ فِيهِ ثَابِتًا بِالْعُرْفِ وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ نَصًّا لَمْ يُضَمِّنْ الْمُسْتَأْجِرَ بِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مُتَعَارَفًا وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا، وَذَلِكَ تَعَدٍّ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَبَيَانُ أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ بِالْعَقْدِ سَيْرُ الدَّابَّةِ لَا صِفَةُ الْجَوْدَةِ فِيهِ وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إلَى الضَّرْبِ وَالْكَبْحِ فِي أَصْلِ تَسْيِيرِ الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا يَسْتَخْرِجُ بِذَلِكَ مِنْهَا نِهَايَةَ السَّيْرِ وَالْجَوْدَةِ فِي ذَلِكَ وَثُبُوتُ الْإِذْنِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَفْتَقِرُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ، وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ الضَّرْبُ فَإِنَّمَا أُبِيحَ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ فَإِنَّ حَقَّ الْمَالِكِ فِي الْآخَرِ يَتَقَرَّرُ بِدُونِهِ وَمِثْلُهُ يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَتَعْزِيرِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَرَمْيُ الرَّجُلِ إلَى الصَّيْدِ وَمَشْيُهُ فِي الطَّرِيقِ مُبَاحٌ شَرْعًا، ثُمَّ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِيهَا نَصًّا فَإِنَّ بَعْدَ الْإِذْنِ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمَالِكِ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مَتَاعًا سَمَّاهُ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ فَأَجَّرَهَا بِمِثْلِ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِمَّا اسْتَأْجَرَهَا لَمْ يَطِبْ لَهُ الْفَضْلُ إلَّا أَنْ يَزِيدَ مَعَهَا حَبْلًا أَوْ جُوَالِقَ أَوْ لِجَامًا فَحِينَئِذٍ يَجْعَلُ زِيَادَةَ الْأَجْرِ بِإِزَاءِ مَا زَادَ وَلَوْ عَلَفهَا لَمْ يَطِبْ لَهُ الْفَضْلُ؛ لِأَنَّ الْعَلَفَ لَيْسَ بِعَيْنٍ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ لِنَجْعَلَ الزِّيَادَةَ بِمُقَابَلَتِهِ.
وَإِنْ اسْتَأْجَرَهَا بِغَيْرِ لِجَامٍ فَأَلْجَمَهَا أَوْ بِلِجَامٍ فَنَزَعَهُ وَأَبْدَلَهُ بِلِجَامٍ آخَرَ مِثْلِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللِّجَامَ لَا يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ وَإِنَّمَا يَنْفَعُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ السَّيْرَ يُخَفَّفُ بِهِ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ هَذَا خِلَافًا مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ إلَّا إذَا أَلْجَمَهَا بِلِجَامٍ لَا يُلْجَمُ مِثْلُهَا بِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا ضَامِنًا.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِحُمُولَةٍ فَسَاقَ رَبُّ الدَّابَّةِ فَعَثَرَتْ فَسَقَطَتْ الْحُمُولَةُ وَفَسَدَتْ وَصَاحِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute