للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَتَاعِ يَمْشِي مَعَ رَبِّ الدَّابَّةِ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ فَالْمُكَارَى ضَامِنٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَارَى أَجِيرٌ مُشْتَرَكٌ وَالتَّلَفُ حَصَلَ بِجِنَايَةِ يَدِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ انْقَطَعَ حَبْلُهُ فَسَقَطَ الْحِمْلُ فَهَذَا مِنْ جِنَايَةِ يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا شَدَّهُ بِحَبْلٍ لَا يَحْتَمِلُهُ كَانَ هُوَ الْمُسْقِطَ لِلْحِمْلِ وَلَوْ مَطَرَتْ السَّمَاءُ فَفَسَدَ الْحِمْلُ أَوْ أَصَابَتْهُ الشَّمْسُ فَفَسَدَ أَوْ سُرِقَ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ مَنْ يُضَمِّنُ الْأَجِيرَ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ لَا بِفِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَرَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ: إذَا كَانَ صَاحِبُ الْحِمْلِ مَعَهُ فَسُرِقَ لَمْ يَضْمَنْ الْمُكَارَى؛ لِأَنَّ الْحِمْلَ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَالْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عِنْدَهُمَا بِاعْتِبَارِ يَدِهِ فَمَا دَامَ الْمَتَاعُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ لَمْ يَضْمَنْ الْأَجِيرُ إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَإِنْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَبْدًا صَغِيرًا فَسَاقَ بِهِ رَبُّ الدَّابَّةِ فَعَثَرَتْ وَعَطِبَ الْعَبْدُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا جِنَايَةٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَتَاعَ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الضَّمَانِ بِإِتْلَافِ النُّفُوسِ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَضَمَانُ الْجِنَايَةِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ الْعَقْدِ. (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلًا وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِيمَا جَنَتْ يَدُهُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ الْعَقْدِ، فَأَمَّا ضَمَانُ الْمَتَاعِ مِنْ جِنْسِ ضَمَانِ الْعَقْدِ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ حَالًّا دُونَ الْعَاقِلَةِ وَبَيَانُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ عَلَى أَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ يُقَيَّدُ الْعَمَلُ بِصِفَةِ السَّلَامَةِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْآخَرِ الْعَمَلُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ بَدَلٌ مَضْمُونٌ فَعَرَفْنَا أَنَّ الضَّمَانَ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا صَاحِبُ الْمَتَاعِ مَتَاعَهُ وَرَكِبَهَا فَسَاقَهَا رَبُّ الدَّابَّةِ فَعَثَرَتْ فَعَطِبَ الرَّجُلُ وَأُفْسِدَ الْمَتَاعُ لَمْ يَضْمَنْ رَبُّ الدَّابَّةِ شَيْئًا إمَّا لِأَنَّهُ لَا يَضْمَنُ نَفْسَ صَاحِبِ الْمَتَاعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ضَمَانُ الْجِنَايَةِ وَلَا يَضْمَنُ الْمَتَاعَ؛ لِأَنَّ مَتَاعَهُ فِي يَدِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ يَصِيرُ مُسَلَّمًا بِنَفْسِهِ فَيَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ رَبِّ الدَّابَّةِ.

وَإِذَا تَكَارَى مِنْ رَجُلٍ دَابَّةً شَهْرًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنَّهُ مَتَى مَا بَدَا لَهُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ حَاجَةٌ رَكِبَهَا لَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ سَمَّى بِالْكُوفَةِ نَاحِيَةً مِنْ نَوَاحِيهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى مَكَانًا فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ إذَا لَمْ يَكُنْ الرُّكُوبُ مُسْتَغْرَقًا بِجَمِيعِ الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا بِبَيَانِ الْمَكَانِ فَمَا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ تَكَارَاهَا يَوْمًا يَقْضِي حَوَائِجَهُ فِي الْمِصْرِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ هُنَا مُسْتَدَامٌ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّ نَوَاحِيَ الْمِصْرِ فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا جَازَ عَقْدُ السَّلَمِ إذَا شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي الْمِصْرِ وَأَنْ يُبَيِّنَ مَوْضِعًا مِنْهُ فَإِذَا كَانَ نَوَاحِي الْمِصْرِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ إلَى أَيِّ نَوَاحِي الْمِصْرِ شَاءَ وَإِلَى الْجِنَازَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الْمَقَابِرَ مِنْ فِنَاءِ الْمِصْرِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>