ذَهَبْتُ بِالْكِتَابِ وَقَالَ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ لَمْ يَأْتِنِي بِهِ فَعَلَى الْغُلَامِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَا يَدَّعِي؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي إبْقَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ الْكِتَابَ إلَيْهِ كَانَ الثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ وَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى الْمُرْسِلِ دُونَ مَنْ حَمَلَ الْكِتَابَ إلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ أَعْطَيْتُهُ أُجْرَةً عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُرْسِلُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي إيفَاءَ الْأَجْرِ، وَإِنْ أَقَامَ الْغُلَامُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ أَتَى بَغْدَادَ بِالْكِتَابِ فَلَمْ يَجِدْ الرَّجُلَ فَلَهُ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ إلَى بَغْدَادَ مَعَ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ بِالْكِتَابِ وَيَأْتِيَ بِالْجَوَابِ فَلَهُ أَجْرُ حِصَّةِ الذَّهَابِ دُونَ الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ فِي الرُّجُوعِ غَيْرُ مُمْتَثِلٍ أَمْرَهُ وَلَا عَامِلٍ لَهُ حِينَ لَمْ يَكُنْ الْجَوَابُ مَعَهُ
وَإِذَا عَادَ بِالْكِتَابِ حِينَ لَمْ يَجِدْ الرَّجُلَ فَلَا أَجْرَ لَهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَهُ مَا يَخُصُّ الذَّهَابَ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُ فِي الذَّهَابِ عَامِلٌ لَهُ كَمَا أَمَرَ بِهِ فَتَقَرَّرَ حَقُّهُ فِي الْأَجْرِ بِقَدْرِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ عِنْدَ أَهْلِ مَنْ أُرْسِلَ إلَيْهِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ طَعَامًا إلَى بَغْدَادَ فَحَمَلَهُ، ثُمَّ عَادَ بِهِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ هُنَاكَ بِنَقْلِ الطَّعَامِ مِنْ مَكَان وَقَدْ نَقَصَ ذَلِكَ حِينَ عَادَ بِالطَّعَامِ فَلَمْ يَبْقَ تَسْلِيمُ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُنَا الْأَجْرُ لَهُ بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ إذْ لَيْسَ لِلْكِتَابِ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا يَصِيرُ بِالرُّجُوعِ نَاقِصًا عَمَلَهُ سَوَاءٌ عَادَ بِالْكِتَابِ أَوْ لَمْ يَعُدْ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولَانِ شَيْءٌ مِنْ مَقْصُودِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْصُلْ بِعَمَلِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ ذَهَبَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَقْصُودَ الْأَمْرِ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَيَصِلَ الْجَوَابُ إلَيْهِ وَحِينَ عَادَ بِالْكِتَابِ صَارَ الْحَالُ كَمَا قَبْلَ ذَهَابِهِ مِنْ حَيْثُ إنَّ شَيْئًا مِنْ مَقْصُودِ الْأَمْرِ غَيْرُ حَاصِلٍ، فَأَمَّا إذَا تَرَكَ الْكِتَابَ هُنَاكَ فَبَعْضُ مَقْصُودِهِ حَاصِلٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ إذَا حَضَرَ وَقَفَ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ وَيَبْعَثُ بِالْجَوَابِ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ فَلِحُصُولِ بَعْضِ الْمَقْصُودِ هُنَاكَ أَلْزَمْنَاهُ حِصَّةَ الذَّهَابِ مِنْ الْأَجْرِ.
رَجُلٌ تَكَارَى دَابَّةً إلَى مَكَان مَعْلُومٍ وَلَمْ يَقُلْ أَرْكَبُهَا بِسَرْجٍ وَلَا إكَافٍ فَجَاءَ بِهَا الْمُكَارِي عُرْيَانَةً فَرَكِبَهُ بِسَرْجٍ أَوْ إكَافٍ فَعَطِبَتْ (قَالَ:) إنْ كَانَ يُرْكَبُ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ مِثْلُ تِلْكَ الدَّابَّةِ بِإِكَافٍ أَوْ بِسَرْجٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تُرْكَبُ إلَّا بِسَرْجٍ فَرَكِبَ بِإِكَافٍ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يَسْتَحِقُّ اسْتِيفَاءَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ فَإِذَا خَالَفَ ذَلِكَ صَارَ ضَامِنًا.
وَلَوْ تَكَارَى مِنْ الْفُرَاتِ إلَى جُعْفِيٍّ (وَجُعْفِيٌّ) قَبِيلَتَانِ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّ الْقَبِيلَتَيْنِ هِيَ أَوْ إلَى الْكُنَاسَةِ وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّ الْكُنَاسَتَيْنِ أَوْ إلَى بَجِيلَةَ وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّهُمَا هِيَ الظَّاهِرَةُ أَوْ الْبَاطِنَةُ فَعَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute