كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ حَقَّ نَفْسِهِ وَحَقَّ صَاحِبِهِ وَبَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إثْبَاتِ حَقِّهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُكَذَّبٌ بِبَيِّنَةِ صَاحِبِهِ فَلَا تَكُونُ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ حُجَّةً فِي نَصِيبِهِ، وَإِنْ تَكَارَاهَا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَرَكِبَهَا عَلَى ذَلِكَ فَعَطِبَتْ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رُكُوبَهُ إيَّاهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِهِ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِسُقُوطِ الْخِيَارِ؛ فَإِنَّهُ مُسْتَوْفٍ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُتْلِفٌ فَلَزِمَهُ الْأَجْرُ بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ خِيَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ فَالْمُسْتَكْرِي ضَامِنٌ لَهَا وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي رُكُوبِهَا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ رِضَى صَاحِبِهَا بِهِ فَإِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ يَعْدَمُ تَمَامُ الرِّضَاءِ.
وَلَوْ تَكَارَى حِمَارًا يَطْحَنُ عَلَيْهِ فَأَوْثَقَهُ فِي الرَّحَا وَسَاقَهُ الْأَجِيرُ فَتَعَسَّفَ عَلَيْهِ الْأَجِيرُ حَتَّى عَطِبَ مِنْ عَمَلِهِ فَالْأَجِيرُ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ لَهُ بِالتَّعَسُّفِ فِي سَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمُسْتَأْجِرِ لِيَنْتَقِلَ فِعْلُهُ إلَيْهِ فَلِهَذَا لَا شَيْءَ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ
وَإِنْ اسْتَأْجَرَ ثَوْرًا يَطْحَنُ عَلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ فَوَجَدَهُ لَا يَطْحَنُ إلَّا خَمْسَةَ أَقْفِزَةٍ فَالْمُسْتَأْجِرُ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَرْطَ عَقْدِهِ فَإِذَا شَاءَ أَبْطَلَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَفِيمَا عَمِلَ مِنْ الطَّحْنِ بِحِسَابِ مَا عَمِلَ مِنْ الْأَيَّامِ وَلَا يَحُطُّ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الثَّوْرِ فِي الْمُدَّةِ وَقَدْ اسْتَوْفَى ذَلِكَ وَاشْتِرَاطُ عَشَرَةِ أَقْفِزَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ لَيْسَ لِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَى الْعَمَلِ بَلْ لِبَيَانِ جَلَادَةِ الثَّوْرِ فِي عَمَلِ الطَّحْنِ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْتَقِضُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الْأَجْرِ فِيمَا عَمِلَ مِنْ الْأَيَّامِ.
وَلَوْ تَكَارَى دَابَّةً إلَى بَغْدَادَ فَوَجَدَهَا لَا تُبْصِرُ بِاللَّيْلِ أَوْ جَمُوحًا أَوْ عَثُورًا أَوْ تَعَضُّ فَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ بِعَيْنِهَا فَلَهُ الْخِيَارُ لِتَغْيِيرِ شَرْطِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ مَا سَارَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا فَلَهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ إلَى بَغْدَادَ عَلَى دَابَّةٍ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الْعَمَلَ فِي ذِمَّتِهِ وَهَذَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْبِ هَذِهِ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْمُسْتَأْجِرِ الْعَيْبَ غَيْرُ مَقْبُولٍ إلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ تَكَارَى بَعِيرًا لِيَعْمَلَ عَلَيْهِ عَمَلًا عَلَى النِّصْفِ (قَالَ:) كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ إذَا كَانَ يَنْقُلُ الْحِمْلَ عَلَى الْبَعِيرِ فَالْأَجْرُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مَنْفَعَةِ بَعِيرِهِ وَالْمَدْفُوعُ إلَيْهِ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْإِكْرَاءِ وَلِلَّذِي يَعْمَلُ عَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِهِ عِوَضًا وَقَدْ سُلِّمَتْ مَنَافِعُهُ لِصَاحِبِ الْبَعِيرِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَيْهِ الْمَتَاعَ لِيَبِيعَهُ فَمَا اكْتَسَبَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ فِيمَا اكْتَسَبَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَعِيرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْبَعِيرِ ابْتَغَى عَنْ مَنَافِعِ بَعِيرِهِ عِوَضًا وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ ذَلِكَ.
رَجُلٌ تَكَارَى غُلَامًا لِيَذْهَبَ لَهُ بِكِتَابٍ إلَى بَغْدَادَ فَقَالَ الْغُلَامُ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute