عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقَصَّارِ إذَا دَقَّ فَخَرَقَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُنَاكَ الْعَمَلُ السَّلِيمُ عَنْ الْعَيْبِ، وَذَلِكَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ يَصِحُّ الْتِزَامُهُ بِالْعَقْدِ وَهُنَا الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ عَمَلٌ مَعْلُومٌ بِجِدِّهِ لَا عَمَلٌ غَيْرُ سَارِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ فَالْجُرْحُ فَتْحُ بَابِ الرُّوحِ وَالْبُرْءُ بَعْدَهُ بِقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ عَلَى دَفْعِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي مَقْدُورِ الْبَشَرِ فَلَا يَجُوزُ الْتِزَامُهُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي وُسْعِهِ إقَامَةُ الْعَمَلِ بِجِدِّهِ، وَقَدْ أَتَى بِهِ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا أَنْ يُخَالِفَ لِمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ أَوْ يَفْعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَيَكُونُ ضَامِنًا حِينَئِذٍ، تَوْضِيحُ الْفَرْقِ أَنَّ السِّرَايَةَ لَا تَقْتَرِنُ بِالْجُرْحِ، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ بَعْدَهَا بِزَمَانِ ضَعْفِ الطَّبِيعَةِ عَنْ دَفْعِ أَثَرِ الْجِرَاحَةِ وَتَوَالِي الْآلَامِ عَلَى الْمَجْرُوحِ.
وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى صَاحِبِهِ وَيَخْرُجُ مِنْ ضَمَانِ الْعَمَلِ. فَأَمَّا بِخِرَقِ الثَّوْبِ يَكُونُ مُقْتَرِنًا بِالدَّقِّ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْعَمَلُ مِنْ ضَمَانِ الْقَصَّارِ؛ فَلِهَذَا كَانَ ضَامِنًا لِمَا يَتْلَفُ بِعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ مَضْمُونٌ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْبَدَلِ، وَلَوْ وَطْئًا الْأَجِيرُ الْخَاصُّ لِلْقَصَّارِ عَلَى الثَّوْبِ مِمَّا لَا يُوطَأُ عَلَيْهِ فِي دَقِّهِ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فِي الْوَطْءِ عَلَى هَذَا الثَّوْبِ فَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوطَأُ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الْوَطْءِ عَلَيْهِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْأُسْتَاذِ، وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ وَدِيعَةً عِنْدَ الْقَصَّارِ فَالْأَجِيرُ ضَامِنٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُوطَأُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي بَسْطِهِ وَالْوَطْءِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْعَمَلِ فِي بَيَانِ الْقِصَارَةِ دُونَ وَدَائِعِ النَّاسِ عِنْدَهُ.
وَلَوْ حَمَلَ الْإِنْسَانُ حِمْلًا فِي بَيْتِ الْقَصَّارِ مِنْ ثِيَابِ الْقِصَارَةِ فَعَثَرَ وَسَقَطَ فَتَخَرَّقَ بَعْضُهَا كَانَ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي هَذَا الْعَمَلِ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ
وَلَوْ دَخَلَ بِنَارِ السِّرَاجِ بِأَمْرِ الْقَصَّارِ فَوَقَعَتْ شَرَارَةٌ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ الْقِصَارَةِ، أَوْ وَقَعَ السِّرَاجُ مِنْ يَدِهِ فَأَصَابَ دُهْنُهُ ثَوْبًا مِنْ الْقِصَارَةِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأُسْتَاذِ دُونَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي إدْخَالِ النَّارِ بِالسِّرَاجِ، وَكَذَلِكَ أَجِيرٌ لِرَجُلٍ يَخْدُمُهُ إنْ وَقَعَ مِنْ يَدِهِ شَيْءٌ فَتَكَسَّرَ وَأَفْسَدَ مَتَاعًا مِمَّا يَخْتَلِفُ فِي خِدْمَةِ صَاحِبِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِهَذِهِ الْأَعْمَالِ.
وَلَوْ أَنَّ غُلَامَ الْقَصَّارِ انْفَلَتَتْ مِنْهُ الْمِدَقَّةُ فِيمَا يَدُقُّ مِنْ الثِّيَابِ فَوَقَعَتْ عَلَى ثَوْبٍ مِنْ الْقِصَارَةِ فَخَرَقَتْهُ فَالضَّمَانُ عَلَى الْقَصَّارِ دُونَ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَةِ الْأُسْتَاذِ فِي دَقِّ الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْ وَقَعَ عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ الْقِصَارَةِ كَانَ ضَمَانُ ذَلِكَ عَلَى الْغُلَامِ دُونَ الْقَصَّارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِي دَقِّ ذَلِكَ الثَّوْبِ فَيَكُونُ هُوَ جَانِيًا فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا وَتَعَذَّرَ الْخَطَأُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ضَمَانُ الْمَحَلِّ، وَإِنْ وَقَعَتْ الْمِدَقَّةُ عَلَى مَوْضُوعِهَا، ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّهَا كَمَا لَوْ وَقَعَتْ عَلَى الْمَحَلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute