لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ لَيْسَ لِمَعْنَى الْإِلْزَامِ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ أَوْ لِمَعْنَى الزَّجْرِ عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْبَاطِلِ فَقَوْلُهُ أَشْهَدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَحْلِفُ؛ وَلِهَذَا أُعْظِمَ الْوِزْرُ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ كَمَا فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ وَالْمُدَّعِي هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِالشُّهُودِ فَلِمَكَانِ احْتِمَالِ الْمُوَاضَعَةِ وَالتَّلْبِيسِ بَيْنَهُمْ شَرَطْنَا لَفْظَةَ الشَّهَادَةِ وَأَمَّا الْمُتَرْجِمُ بِحِيَازَةِ الْقَاضِي فَيَنْعَدِمُ فِي حَقِّهِ مِثْلُ تِلْكَ التُّهْمَةِ؛ فَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ الْمُتَرْجِمُ مُخَيَّرٌ غَيْرُ مُلْزَمٍ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ بِشَرْطِ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ مُلْزَمًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَكَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ لَاسْتَوَى فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ الشَّهَادَةَ كَاخْتِصَاصِ الشَّهَادَةِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَخْبَارِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ. فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ هَذَا الْخَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فِيهِ فَفِي الْعَدَدِ أَوْلَى وَاشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَالَةِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَاشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْغَيْرَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَزِمَ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَالرِّقِّ تَبْقَى الْوِلَايَةُ عَلَى الْغَيْرِ بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَلْتَزِمُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِ لِذَلِكَ وَمَعَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَكْفِي لِذَلِكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ، وَلَكِنْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْثَقُ؛ لِأَنَّهُ فِي الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبُ.
قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَّخِذَ كَاتِبًا مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى أَنْ يَكْتُبَ مَا جَرَى فِي مَجْلِسِهِ وَرُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَيَتَّخِذْ كَاتِبًا لِذَلِكَ وَالْكَاتِبُ نَائِبُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْبِهَهُ فِي الْعَفَافِ وَالصَّلَاحِ وَالْكَاتِبُ مِنْ أَقْوَى مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَلَا يُفَوِّضُهُ إلَّا إلَى مَنْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِالصَّلَاحِ وَالْعَفَافُ حَتَّى لَا يُخْدَعَ بِالرِّشْوَةِ، ثُمَّ لَمْ يُقْعِدْهُ حَيْثُ يَرَى مَا يَكْتُبُ وَمَا يَصْنَعُ أَمَّا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ الْمَكْتُوبِ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ فَلِيَكُنْ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْهُ، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَخْدَعَهُ بَعْضُ الْخُصُومِ بِالرِّشْوَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْ الْقَاضِي، ثُمَّ يَكْتُبُ خُصُومَةَ كُلِّ خَصْمَيْنِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الشَّهَادَةِ فِي صَحِيفَةٍ بَيْضَاءَ وَحْدَهَا، ثُمَّ يَطْوِيهَا وَيَخْرِمُهَا وَيَخْتِمُهَا بِخَاتَمِهِ لِلتَّوَثُّقِ كَيْ لَا يُزَادَ فِيهَا، ثُمَّ يَكْتُبُ عَلَيْهَا خُصُومَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فِي شَهْرِ كَذَا فِي سَنَةِ كَذَا حَتَّى يَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُهَا مِنْ سَائِرِ الصَّحَائِفِ إذَا اخْتَلَفَتْ بِهَا وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى فَتْحِ الْخَاتَمِ فَقَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَيَجْعَلُ خُصُومَةَ كُلِّ شَهْرٍ فِي قِطَمْرٍ عَلَى حِدَةٍ لَا يُخَالِطُهَا شَيْءٌ آخَرُ وَالْقِطَمْرُ اسْمٌ لِخَرِيطَةِ الْقَاضِي، وَفِيهِ لُغَتَانِ قِمَطْرَةٌ وَقِطَمْرٌ، وَإِنَّمَا يَتَّخِذُ لِخُصُومَةِ كُلِّ شَهْرٍ خَرِيطَةً عَلَى حِدَةٍ لِيَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ وُجُودُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute