للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

السَّبَبَ الْمُطْلَقَ لِلْأَدَاءِ الْمُعَايَنَةُ سُمِّيَ الْأَدَاءُ شَهَادَةً وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ لِلشَّاهِدِ «إذَا رَأَيْت مِثْلَ هَذِهِ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ» وَقِيلَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَعْنَى الْحُضُورِ يَقُولُ الرَّجُلُ شَهِدْت مَجْلِسَ فُلَانٍ أَيْ حَضَرْت قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج: ٧] وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَحْضُرُ مَجْلِسَ الْقَاضِي لِلْأَدَاءِ يُسَمَّى شَاهِدًا وَتُسَمَّى أَدَاءَ شَهَادَةٍ، ثُمَّ الْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً فِي الْأَحْكَامِ)؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً مُلْزِمَةً، وَلِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَهُوَ الْمُعَايَنَةُ فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. وَلَكِنَّا تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا أَمْرٌ لِلْأَحْكَامِ بِالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ١٠٦] «. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي»، وَفِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا حَاجَةُ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُنَازَعَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَالثَّانِي مَعْنَى إلْزَامِ الشُّهُودِ حَيْثُ جَعَلَ الشَّرْعُ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً لِإِيجَابِ الْقَضَاءِ مَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ إذَا ظَهَرَ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْله «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي الْحُقُوقَ بِهِمْ» وَلَمَّا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالْكَرَامَاتِ وَصَفَهُمْ بِكَوْنِهِمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: ١٤٣]، وَقَدْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِمَا لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ كَالْقِيَاسِ فِي الْأَحْكَامِ بِغَالِبِ الرَّأْيِ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ. ثُمَّ الْقِيَاسُ بَعْدَ هَذَا أَنْ يُكْتَفَى بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ جَانِبِ الصِّدْقِ يَظْهَرُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ بِصِفَةِ الْعَدَالَةِ؛ وَلِهَذَا كَانَ خَبَرُ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ مُوجِبًا لِلْعَمَلِ وَكَمَا لَا يَثْبُتُ عِلْمُ الْيَقِينِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِ الْعَدَدِ مَا لَمْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ فَفِيهَا بَيَانُ الْعَدَدِ فِي الشَّهَادَاتِ الْمُطْلَقَةِ كَمَا لَوْ تَلَوْنَا مِنْ الْآيَاتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النساء: ١٥]. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِلْمُدَّعِي لَيْسَ لَك إلَّا شَاهِدٌ شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» فَإِنْ (قِيلَ) هَذِهِ النُّصُوصُ بَيَانُ جَوَازِ الْعَمَلِ بِشَهَادَةِ الْعَدَدِ، وَلَيْسَ فِيهَا بَيَانُ نَفْيِ ذَلِكَ بِدُونِ الْعَدَدِ (قُلْنَا) لَا كَذَلِكَ فَالْمَقَادِيرُ فِي الشَّرْعِ إمَّا لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ كَأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ، أَوْ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ دُونَ النُّقْصَانِ كَأَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَيْضِ وَهُنَا التَّقْدِيرُ لَيْسَ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ فَلَوْ لَمْ يُفِدْ مَنْعُ النُّقْصَانِ لَمْ يَبْقَ لِهَذَا التَّقْدِيرِ فَائِدَةٌ وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ الْمَنْصُوصُ خَالِيًا عَنْ الْفَائِدَةِ، ثُمَّ فِيهِ مَعْنَى طُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ عِنْدَ إخْبَارِ الْعَدَدِ أَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>