للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ. وَفِي الشَّهَادَةِ مَحْضُ الْإِلْزَامِ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَكْفِي لِذَلِكَ بِخِلَافِ الدِّيَانَاتِ فَإِنَّ فِي الدِّيَانَاتِ الْتِزَامَ السَّامِعِ بِاعْتِقَادِهِ وَالْمُخْبِرُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلْزَامًا مَحْضًا؛ فَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ، وَفِيهِ مَعْنَى التَّوْكِيدِ فَالتَّزْوِيرُ وَالتَّلْبِيسُ فِي الْخُصُومَاتِ يَكْثُرُ فَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الشَّهَادَاتِ صِيَانَةً لِلْحُقُوقِ الْمَعْصُومَةِ، ثُمَّ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَبَرِ مِنْ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَالْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِاعْتِبَارِ عَقْلِ الْمُتَكَلِّمِ وَالشَّهَادَةُ بَيِّنَةٌ. وَمَعْرِفَةُ عَقْلِ الْمَرْءِ بِاخْتِيَارِهِ فِيمَا يَأْتِي. وَيَذَرُ وَحُسْنُ نَظَرِهِ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ وَالْمُطْلَقُ مِنْ الشَّيْءِ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ مِنْهُ إلَّا أَنَّهُ لَا حَدَّ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي كَمَالِ مَعْرِفَةِ الْعَقْلِ سِوَى مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ حَدًّا وَهُوَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ تَيْسِيرًا لِلْأَمْرِ عَلَى النَّاسِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ وَمَعْنَى الضَّبْطِ حُسْنُ السَّمَاعِ وَالْفَهْمِ وَالْحِفْظِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ وَتُعْتَبَرُ صِفَةُ الْكَمَالِ فِيهِ أَيْضًا لِمَا فِي النُّقْصَانِ مِنْ شُبْهَةِ الْعَدَمِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يُجْعَلْ مَنْ اشْتَدَّتْ غَفْلَتُهُ، أَوْ مُجَازَفَتُهُ فِيمَا يَقُولُ وَيَسْمَعُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ إذَا كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا عِنْدَ النَّاسِ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْعَدَالَةِ فَلِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ. فَالْحُجَّةُ الْخَبَرُ الَّذِي هُوَ صِدْقٌ وَلَا طَرِيقَ لِمَعْرِفَةِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِ مَنْ هُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ عَنْ الْكَذِبِ إلَّا الْعَدَالَةَ. وَالْعَدَالَةُ هِيَ الِاسْتِقَامَةُ، وَلَيْسَ لِكَمَالِهَا نِهَايَةٌ فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُمْكِنُ وَهُوَ انْزِجَارُهُ عَمَّا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا فِي دِينِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا شَرْطُ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ الْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَةِ وَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْعَلُ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ أَهْلًا لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِكَذِبِهِ شَرْعًا فَلَا يَظْهَرُ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ فِي خَبَرِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِكَذِبِهِ شَرْعًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْإِسْلَامُ فِي الْأَهْلِيَّةِ لِلشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ رُجْحَانَ جَانِبِ الصِّدْقِ يَظْهَرُ فِي خَبَرِهِ مَعَ كُفْرِهِ إذَا كَانَ مُنْزَجِرًا عَمَّا يَعْتَقِدُهُ حَرَامًا فِي دِينِهِ غَيْرَ أَنَّ خَبَرَهُ لَا يُقْبَلُ فِي أَمْرِ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَعْتَقِدُ السَّعْيَ فِي هَدْمِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجْعَلُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ عَدَاوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَنْعَدِمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَيَكُونُ بَعْضُهُمْ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فِي حَقِّ الْبَعْضِ وَسِوَى هَذَا.

يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ أَهْلِيَّةٌ لِلْوِلَايَةِ حَتَّى لَا يَكُونَ الْمَمْلُوكُ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ خَبَرُهُ فِي الدِّيَانَات مَقْبُولًا لِمَا فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ مَحْضِ الْإِلْزَامِ وَإِلْزَامُ الْغَيْرِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وِلَايَةٍ فَشَرَطْنَا الْأَهْلِيَّةَ لِلْوِلَايَةِ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا شَرَطْنَا الْعَدَدَ وَجَعَلْنَا النِّسَاءَ أَحَطَّ رُتْبَةً فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الرِّجَالِ لِنُقْصَانِ الْوِلَايَةِ بِسَبَبِ الْأُنُوثَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَدَأَ بِهِ الْكِتَابُ وَرَوَاهُ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ «مَضَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>