هُوَ عَيْنُ الْمُدَّعَى كَمَا يُقْضَى بِالْمَالِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ النَّفْسُ، وَمَا دُونَهَا سَوَاءٌ إذَا نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ الدَّعْوَى أَيْضًا.
(قَالَ) وَلَا يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِنْسَ الْيَمِينِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْقَ يَمِينٌ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّ شَرْعَ الْيَمِينِ فِي جَانِبِ الْمُنْكِرِ لِمَعْنَى الْإِهْلَاكِ كَمَا بَيَّنَّا وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، وَلِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ لِلْحَاجَةِ إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ إقَامَةِ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَلِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي جَانِبِ الْمُنْكِرِ لِلنَّفْيِ وَالْمُدَّعِي مُحْتَاجٌ إلَى الْإِثْبَاتِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ فِي الْأَصْلِ فَقَالَ لَا نَرُدُّ الْيَمِينَ وَلَا نُحَوِّلُهَا عَنْ مَوْضِعِهَا، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا الْمَعْنَى فِي كِتَابِ الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الْيَمِينِ وَمَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَكَانَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَرَى اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعِي مَعَ شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَيَرَى اسْتِحْلَافَ الشَّاهِدِ وَاسْتِحْلَافَ الرَّاوِي إذَا رَوَى حَدِيثًا كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا رَوَى لِي أَحَدٌ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا حَلَّفْته غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ أُحَلِّفْهُ وَلَمْ نَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا لِمَا فِيهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ فَفِي النُّصُوصِ أَمْرُ الْحُكَّامِ بِالْتِمَاسِ شَاهِدَيْنِ مِنْ الْمُدَّعِي فَالْيَمِينُ بَعْدَ ذَلِكَ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النَّسْخِ، ثُمَّ الْحَقُّ قَدْ ثَبَتَ بِمَا أَقَامَ مِنْ الْحُجَّةِ فَالْبَيِّنَةُ سُمِّيَتْ بَيِّنَةً؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ يَحْصُلُ بِهَا، وَلَوْ ثَبَتَ حَقُّهُ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ لَمْ يَجُزْ اسْتِحْلَافُهُ مَعَ ذَلِكَ. فَإِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ فَهُوَ مِثْلُ ذَلِكَ، أَوْ أَقْوَى.
فَإِنْ كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ اكْتَفَى بِالْأَوَّلِ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْمَشْرُوعَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [التوبة: ٦٢]. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا} [التوبة: ٧٤] فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي بَيْعِهِ نُصْرَةُ الْحَقِّ وَالْإِنْكَارَاتُ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْمَظَالِمِ وَالْخُصُومَاتِ هُوَ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ تَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ إذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَتَجَاسَرُ إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ فَقَطْ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالرَّأْيُ فِي ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي إنْ شَاءَ اكْتَفَى بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ، وَإِنْ شَاءَ غَلَّظَ بِذِكْرِ الصِّفَاتِ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ الَّذِي حَلَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ»، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي آدَابِ الْقَاضِي وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَفْنَا أَنَّ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ بِذِكْرِ الصِّفَاتِ حَسَنٌ بَعْدَ أَنْ لَا يُحَلِّفَهُ أَكْثَرَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute